اخبار اليمن | دراسة مصرية تسلط الضوء على التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وسيناريوهات المواجهة مع أمريكا

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة


سلطت دراسة مصرية جديدة الضوء على التصعيد في البحر الأحمر وسيناريوهات المواجهة مع الولايات المتحدة .
وقالت الدراسة والتي أعدها الدكتور معتز سلامه خبير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والصادرة عن المركز تحت عنوان (التصعيد الحوثي بالبحر الأحمر وسيناريوهات المواجهة مع الولايات المتحدة ) وفيما يلي الدراسة الهامة والتي تم رصدها من قبل المشهد اليمني نظرا لأهميتها .
اولا: المقدمة
سلط تصعيد جماعة أنصار الله () في البحر الأحمر وخليج منذ نوفمبر 2023 -إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة- الضوء على مدى تطور قدرة الفاعلين من غير الدول على التأثير على أمن الملاحة البحرية والأمن العالمي، على نحو يدفع الأقاليم والقوى الكبرى إلى التحرك لعمل ترتيبات أمنية جديدة في بحار حيوية للتجارة العالمية كالبحر الأحمر، وتشكيل تحالفات عسكرية للدفاع عن المصالح، بعد أن طالت الهجمات القطع البحرية لكثير من الدول.

وفي هذا السياق، أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل ما سُمي تحالف «حارس الازدهار» في ديسمبر 2023 (ضم أكثر من 20 دولة بهدف حماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن)، ليعمل تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل المشترك CTF 153 التي تشكلت عام 2022 لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وأعلن «الاتحاد الأوروبي» الانضمام إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا ضمن عملية «أسبيدس» (ASPIDES). في السياق نفسه، أعلنت كل من إيران وروسيا والصين، أنها ستجري تدريبات مشتركة تحت اسم «حزام الأمن البحري - 2024» خلال الفترة من 11 إلى 15 مارس 2024 بالقرب من خليج عُمان؛ بهدف «العمل على سلامة النشاط الاقتصادي البحري».

وفي 24 فبراير 2024، ذكرت الولايات المتحدة إن الحوثيين شنوا 48 هجومًا على الأقل، وأكدت أن السفن التي استهدفوها لها صلات بـ 55 دولة. وكان معهد كيل للاقتصاد العالمي (Kiel Institute for the World Economy)، وهو مركز أبحاث ألماني، أكد أنه بسبب تحويل مسار السفن، أصبحت سعة سفن الحاويات في البحر الأحمر أقل بنسبة 80 ٪ مما كان متوقعًا في يناير 2024 ، مقارنة بمستويات الفترة (2017 - 2019)(1). ولم تقتصر هجمات الحوثيين على السفن ذات الروابط المباشرة بإسرائيل، وإنما شملت سفن الحاويات وناقلات النفط وناقلات الغاز الطبيعي المسال وناقلات البضائع السائبة والسفن الأخرى ذات الأصول المختلفة(2). وبعد أن كانت الهجمات تتم في البحر الأحمر، تشير البيانات التي جمعتها قاعدة بيانات النزاعات المسلحة والمواقع The Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED) إلى أنها اتسعت جغرافيًا في عام 2024 لتشمل خليج عدن، وكان توسيع الهجمات بمثابة تطور طبيعي في سلوك الجماعة(3).

وفي 14 مارس2024، أوضح زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي أن إجمالي عدد السفن والبارجات التي استهدفتها جماعته بلغ 73، وأكد أن عمليات الجماعة مستمرة، ولن تتوقف إلا بوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة(4). وأشار إلى تلقي جماعته منذ بدء الضربات 344 غارة جوية وبحرية، كما تبنى إطلاق 403 صواريخ وطائرة مسيرة في 96 هجوماً ضد سفن الشحن والأخرى العسكرية، وأعلن حشد وتدريب 282 ألف مسلح منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة(5).

تناقش هذه الدراسة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأثر ذلك على الملاحة البحرية، من خلال تناول الدوافع المختلفة للحوثيين من وراء الهجمات على السفن، فضلًا عن السيناريوهات المحتملة للمواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة والحوثيين.

أولًا: دوافع التصعيد الحوثي في البحر الأحمر
توافرت لجماعة أنصار الله (الحوثيين) دوافع مختلفة للقيام بهجماتهم في البحر الأحمر ضد إسرائيل وداعميها (الولايات المتحدة والغرب)، على النحو الذي أثر على الملاحة البحرية، وتتمثل أهمها فيما يلي:

1- تصدير الصراع الداخلي وتفريغ الطاقة العسكرية في الخارج
بوصفها جماعة مذهبية معسكرة استمرت في حرب لثماني سنوات ضد قوات العربي وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، حافظت الجماعة على تعبئة عناصرها بطاقة قصوى لغرض الحرب. ولكن أدت الهدنات المتتالية وتسكين الصراع في عام 2023 إلى توقف أغلب النشاط العسكري للجماعة. واستمرت الجماعة محصورة بصعدة وصنعاء، مع زيادة مسؤولياتها الإجتماعية والإقتصادية والإنسانية في مناطق سيطرتها في الشمال. وأدت نهاية الحرب إلى بروز بعض التناقضات داخلها. ومن ثم جاءت الحرب في غزة لتشكل عامل إعادة اصطفاف وتوحيد داخلي، يمكن من تفريغ طاقاتها في صراع خارجي له مبرراته العقيدية وفائدته. كما يرى البعض أن قيادة الجماعة ستستفيد من هذا التصعيد من خلال تحويل إلى معسكر كبير، للتجنيد والتجييش تحت مبرر مواجهة العدوان الأمريكي والبريطاني، بينما هناك نحو 17.3 مليون شخص في اليمن يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد و 20.3 مليون شخص دون الحصول على الرعاية الصحية الكافية.
وضمن هذا السياق أيضًا، يمكن تسكين الأخبار حول قيام شركات أوروبية منذ منتصف يناير 2024 بدفع أموال للجماعة مقابل المرور الآمن لسفنها في البحر الأحمر، وأن متوسط المبلغ المالي الذي طلبه الحوثيون على كل سفينة نحو نصف مليون دولار، وأن هناك سفنًا تدفع ما يقارب المليون دولار أو أقل. بذلك يمكن أن تحصل الجماعة على 180 مليون دولار شهريًا من السفن في البحر الأحمر إذا استمر التصعيد .

2- فرصة لتأكيد العقيدة السياسية للجماعة
سلط الموقف الذي تبنته جماعة أنصار الله من الحرب الإسرائيلية على غزة، الضوء على الجوانب العقائدية والمصلحية البراجماتية، التي عززت الحسابات الخاصة بقرارها السياسي والعسكري، وهي الجوانب المتشابكة التي تجعل قرار الجماعة معقدًا وغير قابل للتنبؤ؛ إذ يثير الانتباه إعلان الجماعة في 10 أكتوبر 2023، وبعد ثلاثة أيام فقط من عملية طوفان الأقصى أنها ستساند المقاومة الفلسطينية في مواجهة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بهجمات صاروخية وجوية و«خيارات عسكرية أخرى»، حال تدخل الولايات المتحدة عسكرياً بشكل مباشر في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .يشير ذلك إلى رغبة الحوثيين في موضعة ذاتهم في منطقة مفصلية من الصراع العربي الإسرائيلي. ووفرت أحداث غزّة فرصة ثمينة لهم لمحاولة إثبات صدق شعاراتهم المرفوعة منذ ظهورهم المسلح في مطلع القرن الحادي والعشرين، وتحقيق معاني الوثيقة الفكرية والثقافية التي وقعها زعيم الجماعة مع عدد من علماء الزيدية، التي تؤكد على جملة من المبادئ من ضمنها فكرة الاصطفاء والعداء لأمريكا وإسرائيل. وكانت مراكز بحثية إسرائيلية قد توقعت اتجاه الجماعة إلى التركيز على إسرائيل كهدف تالي بعد أن تفرغت الجماعة من حربها مع التحالف العربي. كما سبق وأشارت أيضًا بعض الدراسات إلى أن إبرام تسوية نهائية تضع حدًا للحرب اليمنية قد تؤشر لبداية مرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل، وأن العلاقات التي بنتها إسرائيل مع دول الخليج قد تكون أساسًا لمرحلة جديدة من صراع خفيّ مع جماعة الحوثيين، وأن المعطيات تشير إلى أن اليمن سيظل موقعًا للتنافس بين إسرائيل وخصومها الإقليميين.

3- تكريس والمصداقية في الداخل اليمني

من خلال الهجمات بالصواريخ والمسيرات على إسرائيل وعلى السفن في مضيق باب المندب، تعطي الجماعة لنفسها ميزة كبرى إزاء فرقاء الداخل اليمنيين، وتؤكد أنها لا تستطيع فقط خوض حرب مع أطراف الصراع الداخلي(الحكومة المعترف بها دوليًا والقوات الجنوبية والقوات المناطقية الأخرى)، وإنما أيضًا مع قوة إقليمية مهمة(إسرائيل) وداعميها (الولايات المتحدة والغرب). فضلاً عن أهمية ذلك في الحرب النفسية مع خصومها في الداخل، والذين يصعب عليهم -بعد ذلك- استئناف الحرب معها بعد إعلان القوة الذي قامت به الجماعة، وخوفًا من فقدانهم الشرعية واتهامهم باللا وطنية والعمالة لإسرائيل، فإنها تعرض شرعيتهم الداخلية للاهتزاز، في الوقت نفسه الذي تكرس الجماعة شرعيتها في داخل اليمن، بوقوفها مع غزة، وهو أمر يقدمها باعتبارها العنوان الأساسي للدولة اليمنية، ويمكنها من إحراز عنصر قوة كبير داخل اليمن. ومن ثم، تريد الجماعة من تصعيدها في البحر الأحمر، إعادة الالتفاف على الشرعية في الداخل، وتسجيل نقاط قوة ضد الفرقاء الداخليين الذين ناصبوها العداء على مدى السنوات الماضية، وبسط شرعيتها المعنوية على كامل الشعب اليمني، بدلاً من الانحصار في تمثيل وتجسيد جزء من هذا الشعب. وفي الحقيقة، فقد كان لدى الجماعة طموح باستهداف إسرائيل منذ فترة؛ ففي ديسمبر 2019، هدد وزير دفاعها اللواء محمد ناصر العاطفي صراحةً بأن قواته لديها «بنك من الأهداف العسكرية والبحرية للعدو الصهيوني» وأننا «لن نتردد في مهاجمتها إذا قررت القيادة ذلك»(12).

4- صعيد دورها داخل محور الممانعة وفي المشهد الإقليمي
فضلاً عن أن الهجمات الحوثية على إسرائيل والسفن التابعة لها تغرس وجود الجماعة ضمن «محور الممانعة»، الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية والمقاومة الفلسطينية، فإنها تؤكد بها أيضًا انتقالها من موقع هامشي إلى موقع مركزي في هذا المحور، بل تحولها إلى رأس الحربة الأساسية فيه، خاصة في دعمها للمقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى ؛ فبانخراط الجماعة في المواجهة ضد إسرائيل تحت لافتة الانتصار لفلسطين، تطرح الجماعة نفسها في قلب المشهد الإقليمي والعربي، وتعيد غرس نفسها كحركة نضال عربية وقفت إلى جانب أهم قضية في التاريخ العربي الحديث، مما يسلط الضوء على انتصارهم للقضية ولمحور الممانعة، بالتآزر الأيديولوجي عميق الجذور مع أهداف هذا المحور. ولقد توقعت بعض التقارير احتمال إقدام جماعة الحوثي على لعب دور «حزب الله الجديد»، كانعكاس لتطور دورها المستقبلي، ويشار هنا بشكل خاص إلى الدراسة التي أعدها معهد راند RAND في عام 2020، وحملت عنوان Could the Houthis Be the Next Hizballah?، أي قبل عملية طوفان الأقصى بثلاث سنوات ، وهو الأمر الذي تزامن أيضًا مع تكثيف إيران علاقتها مع الحركة.

وكما عززت الحرب في اليمن من قوة الحوثيين على الصعيد الداخلي، فإن القصف الأمريكي- البريطانيّ للجماعة يُشرعِن حضورهم الشعبي على المستويين: العربي والإسلامي، ويمنحهم تعاطفًا خارجيًا هم في أمسّ الحاجة إليه، ويضع خصومهم المحليين في موقف صعب، خاصة أن القضية الفلسطينية تحظى بإجماع لدى مختلف فئات الشعب اليمني ومكوناته . وبذلك تزيح الجماعة عن نفسها تهمة الطائفية والمذهبية، وتضع نفسها في وضعية تؤهلها لتجسيد وراثة الدولة اليمنية. وبإعلان الجماعة نفوذها في البحر الأحمر، فإنها تفرض نفسها في قلب النظام الإقليمي، سواء في معسكر دول الممانعة أو معسكر دول السلام والتطبيع، أو عبر حيازة أوراق مع إيران تمكنها من وراثة الموقع الذي يحتله حزب الله معها. ويثير الانتباه ما تردد عن إجراء الولايات المتحدة محادثات سرية مع إيران، لإقناع طهران باستخدام نفوذها على الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن. وكان وزير الخارجية الإيراني، قد أكد رفض بلاده طلب الولايات المتحدة، مضيفا «أبلغنا واشنطن بأن أنصار الله لا تتلقى الأوامر من إيران بشأن غزة، ويقررون وفق مصالحهم، وأن واشنطن طرف في الحرب ولا يمكنها أن تطلب من أحد عدم توسيع نطاقها» .

وضمن هذا السياق، تستهدف الجماعة أيضًا تعزيز الرسائل التي أطلقتها حركة حماس في 7 أكتوبر لدول التطبيع العربية بأن رهانهم الأمني والعسكري على إسرائيل هو رهان خطأ، لأنه رهان على دولة لم تستطع أن تحمي أمنها وتجارتها في مواجهة صواريخهم ومسيراتهم. ويرجح أن يكون للهجمات التي تشنها الجماعة انعكاساتها أيضًا على مشروع قناة بن جوريون ومشروع الممر الاقتصادي الهندي الخليجي الأوروبي العابر لإسرائيل. فضلاً عن ما سبق، تستهدف الجماعة حيازة أوراق في التفاوض مع المملكة العربية السعودية.

5- مناكفة القوة الأعظم وتعزيز المراجعة للنظام الدولي
تمتلك جماعة أنصار الله (الحوثية) أيديولوجيا معادية للولايات المتحدة وإسرائيل مثل مختلف الجماعات المرتبطة بإيران. مع ذلك، فإنه على عكس الجماعات الأخرى المتحالفة مع إيران التي تشن باستمرار هجمات ضد القواعد الأمريكية في وسوريا منذ أكتوبر 2023، لم يشن الحوثيون هجمات ضد القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في جيبوتي على البحر الأحمر. وبدلًا من ذلك فإن الجماعة تسعى من خلال الهجمات على إسرائيل إلى توظيف الجغرافيا والتضاريس اليمنية، والاستفادة بحالة المنعة الجغرافية في تشتيت الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة وسحب الولايات المتحدة .
ومن جانب آخر، تعظم الجماعة أرصدتها لدى القوى الدولية الشرقية، خصوصًا روسيا؛ إذ تطيل هجمات الجماعة أمد الصراع في البحر الأحمر، على نحو يقلص التركيز الأمريكي الأوروبي مع الحرب الروسية الأوكرانية بما يقدم خدمة مهمة لروسيا. كذلك، فإن هجمات الجماعة تعظم أوراقها لدى الصين، التي تخشى على تجارتها ومصالحها في البحر الأحمر، والتي دعتها دول غربية للضغط على إيران لكي تستخدم نفوذها على الحوثيين لأجل إيقاف هجماتهم على السفن. وكانت قد ترددت أخبار عن طلب مسؤولين صينيين من نظرائهم الإيرانيين المساعدة على كبح الهجمات التي يشنّها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر .

مع ذلك، فإن الصين لها نهج مختلف؛ ففي حين سبق ودعمت في فبراير 2022 قرارات مجلس الأمن الدولي التي تصنف الحوثيين كمنظمة إرهابية، إلا إنها لم تصدر أي إدانة رسمية لهجمات الحوثيين بين أكتوبر وديسمبر 2023، ولم ينطق المسئولون الصينيون بكلمة “الحوثيين” حتى عندما تعرضت سفينة صينية للهجوم. ولم تذكر الصين ولم تدن عشرات الصواريخ والطائرات دون طيار التي أطلقها الحوثيون ضد إسرائيل. كما امتنعت الصين وروسيا عن التصويت على القرار رقم 2722 (2024) الذي اعتمده مجلس الأمن في 10 يناير 2024، والذي أدان هجمات الحوثيين، وطالب بوقفها .

ثانيًا: السيناريوهات المحتملة للمواجهة العسكرية
يمكن تصور سيناريوهات أربعة لمسار المواجهة بين الولايات المتحدة والحوثيين -قد تحدث جميعها على نحو متتالي- وهي ترتبط بالأمد الزمني لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وبنتائج المواجهات العسكرية بين الجانبين خلال فترة استمرار الحرب، والتي قد تفتح هي ذاتها –وبشكل مستقل- الباب لحرب جديدة تنفصل عن أهداف الحرب الإسرائيلية الحالية. تتمثل هذه السيناريوهات فيما يلي:

1- استمرار الهجمات والأعمال العسكرية عند المستوى الراهن

يتأكد هذا السيناريو في ضوء كونه أقصى مستوى ممكن الاستمرار فيه بالحسابات الاستراتيجية للقرار من الجانبين(الأمريكي والحوثي)، مع عدم القدرة على حسم الصراع في ظل حرب لا متماثلة، وربما عدم رغبة الولايات المتحدة في تقويض وضعية الحوثيين داخل اليمن، لاعتبارات كثيرة لإدارة بايدن، التي بدأت ولايتها بإخراجهم من قائمة الإرهاب، ثم ترددت خلال الأزمة الأخيرة في إعادتهم إليها، ومنحتهم مدة شهر لتغيير حساباتهم والعودة عن مسار المواجهة، قبل أن تعيد إدراجهم إلى القائمة.

وفق هذا السيناريو ستبقى المواجهات مستمرة لفترة أطول دون حسم؛ حيث لا تتمكن الولايات المتحدة وتحالف “حارس الازدهار” من وقف الهجمات الحوثية كليًا، وهي هجمات مهما تضاءلت ستظل تشكل تهديدًا للملاحة في البحر الأحمر، يستوي في ذلك اتساع نطاقها أو صغره. وتظل الضربات الأمريكية البريطانية للحوثيين من الجو عاجزة عن الإنهاء الكلي لتهديدهم، فعلى الرغم من تأثير الضربات على قدرات الحوثيين وعملياتهم فإن ترسانتهم من الصواريخ المضادة للسفن، لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا، كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تراجع العمليات الحوثية هو بسبب الضربات الأمريكية/البريطانية لبنيتهم العسكرية التحتية أم بسبب الانخفاض المطرد في عدد السفن التي باتت تعبر البحر الأحمر بسبب هجماتهم؟.

وتخلق هذه الحالة مسارًا مفتوحًا لاستمرار المواجهات، لكنه منضبط عند مستواه الراهن؛ فلا يتسع ليشمل أطرافًا جديدة، لكنه أيضًا لا يحسم بإنهاء التهديد كاملاً. وسوف يستمر التحالف في تعطيل العمليات العسكرية للحوثيين من خلال اعتراض صواريخهم وطائراتهم المسيرة (دون الانغماس في اشتباكات موسعة معهم)، وإضعاف دقة الهجمات الحوثية من خلال التشويش على راداراتهم وخداع صواريخهم الموجهة. وسيفضل التحالف البحري تنفيذ عمليات عسكرية محدودة لتحذير الجماعة وتأكيد رسالة مفادها أنه لن يتم التسامح مع أفعالها، بأمل أن تكون مثل هذه التحركات المقيدة كافية لردعها. في المقابل، لا يسعى الحوثيون -وفق هذا السيناريو- إلى رفع مستوى التهديد بإدخال أي من حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين في المواجهة، ممن دخلوا مع الجماعة في صراع سابق كالمملكة العربية السعودية أو الإمارات.

هذا المستوى من الاشتباك يحقق فوائد كثيرة لأطرافه؛ فبالنسبة للحوثيين يمكنهم من الاستمرار في عملية إثبات الوجود على المسرح الإقليمي، ويزيد قيمتهم لدى الحليف الإقليمي الأكبر(إيران). وبالنسبة للولايات المتحدة، يزيد الطلب على حضورها الأمني والعسكري إقليميًا، في وقت تتجدد فيه بواعثها للحضور(28)، ليس لحماية الملاحة فقط كهدف استراتيجي مهم للتجارة الأمريكية، وإنما لرغبتها في التمركز عند مفصل أساسي للأمن العالمي وللتجارة الدولية، في ظل تفكير استراتيجي أمريكي لا يركز على الوجود الجغرافي عند أبواب ومداخل الصين فقط، وإنما عند مداخل وبوابات تجارتها إلى العالم، والتي يعد البحر الأحمر أحد منافذها الأساسية. فضلاَ عن ذلك، تمكن هذه الحالة الولايات المتحدة من ضبط سلوك الحوثيين نحو إسرائيل، حتى إكمال المهمة، وتخفيف عبء الهجمات بديلاً عن الجانب الإسرائيلي المشغول بالحرب في غزة.

تبقى إشكالية كبيرة في استمرار المواجهة عند هذا المستوى؛ حيث إن تحولها لحرب تلحق الهزيمة بالحوثي يمثل مشكلة، كما أن استمرار الحوثي وانتصاره يمثل مشكلة أيضًا. فإن الهزيمة تزيد رغبته في الانتقام بالانخراط أكثر في سلوكيات الفواعل ما دون الدولة، بينما يغريه النصر بمزيد من المغامرات. لذلك فمن الأرجح أن تستمر المواجهة عند المستويات الراهنة. ويتعزز هذا السيناريو أيضًا في ظل أصوات أمريكية تؤكد فشل الردع العسكري، وأن الاستمرار في التصعيد من شأنه أن يعزز الأهداف الإيرانية بدلاً من أهداف الولايات المتحدة، ولن يفعل الكثير لتحقيق الاستقرار في اليمن. ويضيف هذا الرأي الأمريكي أنه «عندما نقع في فخ التصعيد دون نجاح، فإننا ندفع الأجندة السياسية لخصومنا على الرغم من تدهور قدراتهم العسكرية. وفي هذه العملية، فإننا لا نقترب من تغيير السلوك الذي نسعى لإصلاحه»(29).

2- اتساع الاشتباك العسكري والمواجهة الشاملة (المحدودة بأطرافها)
يتضمن هذا السيناريو احتمال ألا تستمر الحرب عند المستوى الراهن لفترة طويلة (هجمات حوثية تلحق خسائر محدودة أو انتقائية بالسفن، مقابل الضربات الأمريكية - البريطانية للبنية العسكرية التحتية للحوثيين)، وإنما تتطور وترتبط بهدف سياسي، يعمل على تقويض حكم الجماعة في صعدة وصنعاء في الشمال والشمال الغربي والوسط، والإخلال بالمعادلات السياسية الداخلية التي نتجت عن حرب التحالف العربي في اليمن، بما يقلص وضعية الحوثيين لمصلحة قوات الحكومة الشرعية أو ، مع تهيئة حالة تمكن من إزاحة حكم الجماعة. في ظل هذا السيناريو يتم القضاء على البنية العسكرية الحوثية التي تعرض السفن التجارية والسفن الحربية في أعالي البحار للخطر، ويجري تحييد قدرة إيران على نقل بيانات الاستهداف، مع الذهاب إلى أبعد من اللازم في تدمير البنية التحتية للطائرات دون طيار والصواريخ (بما في ذلك الصواريخ الباليستية) المستخدمة لشن هجمات على الشحن الدولي. كما يفترض ذلك السيناريو ألا يتسع نطاق الحرب إلى خارج اليمن، وإنما يبقى منضبطًا في الداخل بين الحوثيين وتحالف حارس الازدهار، وألا يسعى الحوثيون إلى شن عمليات انتقامية ضد حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وتهديد أسس الهدنة الداخلية التي استقرت على مدى عام 2023.

يمكن تصور أشكال متعددة من الأعمال العسكرية التي تتجاوز المواجهة الراهنة، منها تكثيف الضربات الأمريكية للمواني الحوثية خاصة ، وفرض حصار شامل على الجماعة، أو القيام بسلسلة من الاغتيالات السياسية لبعض قادتها، أو شن عمليات انتقائية واختراقات برية لبعض مناطق سيطرة الحوثيين ليس بالضرورة في المركز (صعدة وصنعاء). وكذلك، توجيه ضربات ضد سفن إيرانية لقطع خطوط الاتصال والإمداد البحري بين الحوثيين وإيران.

وعلى صعيد الحوثيين، تتضمن المواجهة -وفق هذا السيناريو- عمليات استهداف للمصالح الأمريكية داخل اليمن، وتكثيف زراعة الألغام البحرية في باب المندب، وتكثيف هجمات القوارب والزوارق عبر أسلحة جديدة؛ حيث استخدمت الجماعة في السابق الصواريخ المضادة للسفن، والعبوات الناسفة المحمولة بالمياه، والمركبات الجوية دون طيار، والتهديدات المحمولة جواً من طائرات الهليكوبتر. ولا يزال التحدي المتمثل في الكشف البصري عن جهات الاتصال الصغيرة وتصنيفها ليلاً، مثل الأجهزة المتفجرة المرتجلة المحمولة بالماء Water Borne Improvised Explosive Devices (WBIED)، قائمًا .

أضف إلى ما سبق، قد تتضمن أعمال الجماعة عمليات نوعية للسطو على سفن وأسر أطقمها، وعمليات ضد سفن راسية في مواني دول قريبة من اليمن، أو على الشاطئ الآخر (الأفريقي) من المضيق. ومن المرجح أيضًا أن يواصل الحوثيون الضغط على الشحن الدولي والتجارة العالمية. وربما يزيدون العمليات البرمائية ضد أهداف مختارة، ويستغلون ميزتهم اللا متماثلة لإيجاد طرق جديدة للهجوم(32). وقد تلجأ الجماعة لإدخال «سلاح الغواصات» في عملياتها ضد سفن تجارية بالبحر الأحمر ومياه أخرى(33). وقد ترددت تقارير عن قيام الحوثيين بتجربة لصاروخ فرط صوتي يعمل بالوقود الصلب وهي التقنية التي تملكها دول قليلة فقط في العالم تبلغ سرعته 8 ماخ (نحو 10 آلاف كلم في الساعة)، وكانت الجماعة قد قامت بتطوير صواريخها المجنحة وطائراتها المسيرة لزيادة قوتها، بعد تجارب استمرت 3 أشهر(34).

ومع توسع عمليات الجماعة يتطور خطابها؛ على نحو ما يتضح من تأكيد زعيمها بأن جماعته بصدد فرض قواعد اشتباك جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ومنع عبور السفن المرتبطة بإسرائيل عبر المحيط الهندي باتجاه رأس الرجاء الصالح(35). ففي خطابه في 15 مارس 2024 أكد عبدالملك الحوثي سعي الجماعة «نحو توسيع مدى عملياتنا لتصل إلى مواقع لن يتوقعها العدو أبدًا»، وقال «إن معركتنا الأساسية هي منع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي ليس فقط من المرور عبر والبحر الأحمر وخليج عدن، إنما نتجه إلى منع عبورها حتى عبر المحيط الهندي ومن جنوب إفريقيا باتجاه طريق الرجاء الصالح». وفي اليوم الذي ألقى فيه زعيم الجماعة كلمته أرسل الحوثيون إشعارًا رسميًا لشركات الشحن والتأمين بشأن ما وصفوه بالحظر على إبحار السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في المياه المحيطة، سعيًا لتعزيز حملتهم العسكرية(36).

3- اتساع الاشتباك العسكري والمواجهة الشاملة (اللا محدودة بأطرافها)
يتضمن هذا السيناريو المسار السابق نفسه، مع توسيع الأطراف المنخرطة في المواجهة من الداخل اليمني ومن الخارج؛ بحيث لا تقتصر المواجهات على الولايات المتحدة وأعضاء تحالف حارس الازدهار، والحوثي، وإنما تشمل فصائل يمنية لها مصلحة في تقويض حكم الجماعة داخل اليمن، واستغلال المواجهة الراهنة في القفز على العاصمة . وقد يكون ذلك هو السيناريو المفضل للولايات المتحدة بالعمل على تحريك فرقاء الصراع الداخليين ومساعدتهم على إسقاط حكم الجماعة، أو على الأقل تجديد الصراع معها لتشتيت انتباهها. مثل هذا السيناريو سيكون مطروحًا بجدية في حال تطور المواجهات وطال أمد الحرب الإسرائيلية على غزة. وقد يصبح جزءًا من التفكير الأمريكي؛ بأن تقوم قوات يمنية على الأرض باستثمار الضربات الجوية على مناطق الحوثيين واغتنام الفرصة لإحداث تغيير سياسي داخلي، إذ يصعب تصور ردع هجمات الحوثي من دون مشاركة قوات يمنية في الداخل، لديها خبرة بطبيعة الأرض ومتمرسة بالجغرافيا والتضاريس وطبوغرافيا الصراع. وقد لا يمنع الأمريكيون عن هذا التفكير سوى نتائجه المحتملة؛ فعلى الرغم أن الجماعة تمثل تهديدًا عسكريًا محدودًا قياسًا إلى القدرة الأمريكية، فإن هجماتها المستمرة قد تشكل خطرًا مستدامًا على أمن الملاحة في البحر الأحمر. وإذا توسعت الحرب فقد تتورط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أزمة ممتدة داخل اليمن، بعد أن تعرض للخطر العملية السياسية الهشة التي تقودها الأمم المتحدة لأجل إنهاء الطويلة(37).

يساعد على تطور هذا السيناريو موقف الحكومة الشرعية التي تبنت مواقف معارضة لسلوك الحوثي وحمّلته المسؤولية عن ما يجري، وأيدت القرار الأمريكي بإعادة تصنيف الحوثيين «جماعة إرهابية عالمية»؛ حيث رحّبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بهذا القرار في بيان نشرته وزارة الخارجية اليمنية في 17 يناير 2024 (38). وقد سبق ذلك إعلان الحكومة، في 12 يناير 2024، تأييدها الضربات الأمريكية البريطانية على الحوثيين مبررة ذلك كون الجماعة تستهدف أمن وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وارتهانها لأوامر النظام الإيراني، في الوقت نفسه الذي حملت فيه الحوثيين مسؤولية «جر البلاد إلى ساحة مواجهة عسكرية لأغراض دعائية لا علاقة لها حقيقة بنصرة الأشقاء في فلسطين المحتلة».

ويرتبط بهذا السيناريو احتمال اتساع العمليات الانتقامية للحوثيين إذا لم يتمكنوا من الرد على الضربات الأمريكية بإعادة توجيه ضرباتهم إلى حلفاء الولايات المتحدة (السعودية والإمارات)، وهو ما قد يستدعي توحيد عمل تحالف حارس الازدهار مع التحالف العربي، ومن ثم التأثير السلبي على عملية السلام داخل اليمن. كما قد تتفاهم جماعة الحوثي مع فصائل على الجانب الآخر من الساحل الإفريقي، تتفق معها في الهدف ضد الأمريكيين. فمن شأن عمليات الجماعة أن تغري تدريجيًا باستقطاب جماعات على السواحل الصومالية تتشاركها الرغبة في تهديد الملاحة البحرية، في منطقة لا تزال تغازلها المتحصلات المالية لعمليات القرصنة. وتظهر البيانات الصادرة عن مركز الأمن البحري للقرن الإفريقي ومركز التخطيط والتنسيق لعملية الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة، أنه كان هناك أكثر من 20 عملية اختطاف أو محاولة اختطاف للسفن في خليج عدن وحوض الصومال منذ نوفمبر 2023.

4- انتهاء الحرب في غزة وتراجع العمليات الحوثية دون اتفاق

تتراجع المواجهة العسكرية بين الحوثيين والولايات المتحدة وتنخفض الهجمات العسكرية، باتفاق أمريكي إيراني أو بتفاهم أمريكي – حوثي باتفاق أو من دون اتفاق رسمي أو بتوافق غير مكتوب. فليس هناك سوى طريقين لإنهاء المواجهة الراهنة بين الولايات المتحدة والحوثيين: أولهما، وهي أن تتطور آلية تفاوض بين الولايات المتحدة والحوثيين عبر إيران أو أو قطر أو السعودية، تمكن من وقف عمليات الجماعة، دون تحقق شرطها الخاص بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة. ثانيهما، أن يتحقق الشرط الذي طرحوه لإنهاء هجماتهم في البحر الأحمر وتتوقف الحرب في غزة، إما بالتوصل إلى هدنة طويلة أو وقف دائم لإطلاق النار(39).

وقد يؤدي نجاح التوصل إلى هدنة مؤقتة بين إسرائيل وحماس إلى ارتباك موقف الحوثيين؛ حيث إن الهدنة لا تعني وقفًا لإطلاق النار، أو نهاية للحرب، لكنها تعني توقفًا مؤقتًا للعمليات العسكرية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وهو ما قد يستتبع توقفًا للمواجهة بين الولايات المتحدة والحوثيين، وتقليص المواجهة في البحر الأحمر.

مع ذلك فقد لا يعني ذلك العودة إلى الوضع السابق على الحرب في غزة، لأن هناك تداعيات للمواجهات قد تؤدي هي ذاتها إلى إيجاد أسباب جديدة لاستمرار المواجهة العسكرية. فبالنسبة لتحالف حارس الازدهار، من غير المرجح أن يترك أمن البحر الأحمر أو الملاحة في هذا البحر رهينة لأعمال الحوثيين وهجماتهم مستقبلًا، وأن تغادر القوات البحرية للتحالف منطقة العمليات من دون اتفاق. كذلك، يصعب تصور تراجع الحوثيين عن الهجمات بعد أن تمكنوا من تضخيم قوتهم في جنوب البحر الأحمر، وحصلوا على مكاسب، تغريهم بالاستمرار فيها طلبًا للمنافع المادية والمكانة السياسية الإقليمية.

إذا كان هذا السيناريو محتملاً فقط في سياق خفض المواجهات العسكرية في غزة والتوصل إلى اتفاق وقف النار، فإنه إذا استمر الأفق الزمني للحرب في غزة مفتوحًا، فإن فرص سيناريو خفض التصعيد وانتهاء المواجهات في جنوب البحر الأحمر تتراجع. والأقرب للتصور أن تتراجع الهجمات والعمليات العسكرية من ذاتها مع انخفاض وتراجع العمليات في غزة أو إذا تزايدت خسائر الحوثيين من جراء المواجهة أو إذا دخلت متغيرات جديدة تشغلهم عن التركيز مع جبهة إسرائيل. ذلك يعني أن تستمر عمليات الحوثيين وأن تتباطأ تدريجيًا، دون أن يتم ذلك باتفاق سياسي بين الطرفين على توقيت محدد لوقف الهجمات. أما إذا امتد الأفق الزمني للمواجهة، فقد يشهد مسرح العمليات تغييرات مختلفة بحسب التغييرات التي يمكن أن تجري على الساحة الأمريكية؛ كحلول إدارة أمريكية جديدة.

وعلى الرغم من تأكيد المتحدث باسم الحوثيين وكبير مفاوضيهم (محمد عبدالسلام)، أن مشهد السلام في اليمن «يسير بشكل جيد، سواء منذ بدء الهدنة الأممية في أبريل 2022، أو من خلال النقاشات مع الجانب السعودي برعاية عمانية(40)، فإن المواجهة الراهنة تؤثر بشكل مباشر على السلام الهش في اليمن وتهدد بتقويضه كليًا. ذلك يمكن أن يحدث إذا تم استهداف الحوثيين بهجمات واسعة النطاق، تنذر بالعودة إلى الحرب. وتؤكد تصريحات زعيم الجماعة صراحة نيتها استهداف مصالح الولايات المتحدة وحلفائها بما في ذلك المنشآت النفطية في دول الخليج، وهو ما سيشكل تطوراً من غير المرجح أن يمر دون رد(41).

ختامًا، يمكن القول إنه على الرغم من أن المواجهة العنيفة بين الولايات المتحدة والحوثيين لا تزال عند مستوياتها الاعتيادية، ولم تبارح بعد خط اللا عودة عن العمل العسكري، إلا أن الأرجح أن تستمر المواجهة العسكرية، وأن تتواصل تهديدات الحوثيين للملاحة البحرية، كلما اكتسبت المواجهة جنوب البحر الأحمر ديناميتها الخاصة المنفصلة عن الحرب في غزة. وذلك ما ترجحه بعض الاعتبارات؛ حيث أعاد الحوثيون اكتشاف قدرتهم عند مدخل البحر الأحمر، وأعاد الإيرانيون اكتشاف قيمة الحوثيين، مما يشكل عنصر إغراء بتكرار الممارسات وتوظيف ورقة الحوثيين في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك فإنه حتى إذا انتهت الحرب في غزة، فسوف تبقى تبعاتها لسنوات مقبلة، وسوف يستمر نهج العناد الإسرائيلي المحفز لاستمرار موقف الحوثيين من الملاحة. كما أن نتائج وتداعيات إدراج الحوثيين ضمن القائمة الأمريكية للإرهاب، سوف ترفع من حدة تصعيدهم ضد المصالح الأمريكية.

وبشكل عام، ستكون نتائج المواجهة الحالية، ممتدة خلال السنوات المقبلة، حتى لو توقفت الأعمال العسكرية أو الأعمال العنيفة، وستكون لها تبعاتها، سواء فيما يتعلق بقضايا التطبيع العربي الإسرائيلي، أو أمن البحر الأحمر، أو المشروعات الاقتصادية المطروحة بين دول عربية وإسرائيل، كمشروع الممر الاقتصادي الواصل بين الهند والخليج نحو إسرائيل ومنها لأوروبا. وأيضًا ستكون لهذه المواجهة انعكاساتها على مشروعات مثل قناة بن جوريون (الإسرائيلية)؛ حيث أكدت أعمال الحوثيين أن مثل هذه المشروعات ستظل محل شك في التنفيذ العملي، في ظل السلوك الإسرائيلي والموقف الإقليمي من إسرائيل.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المشهد اليمني ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المشهد اليمني ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

0 تعليق