اخبار اليمن | اطار: المياه المكتظة بالسُفن..من يفعل شيئًا في نقطة التوتر الدولية غربي اليمن؟

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأت جماعة الحوثيين شنِّ هجماتٍ بالصواريخ والطائرات المُسيّرة وحتى السفن غير المأهولة على السفن التجارية، لدعم هجمات حماس على إسرائيل.
من خلال تهديد ممر البحر الأحمر، استهدف الحوثيون، المعروفون رسميًا باسم أنصار الله، ممرًا اقتصاديًا حيويًا "مضيق باب المندب" والذي يشهد حوالي 15% من التجارة البحرية العالمية. ووجدت السفن نفسها أمام خيارٍ مرير: إما أن تعبر ممر قناة السويس - البحر الأحمر - مضيق باب المندب تحت التهديد، أو أن تقوم بتغيير مسارها عبر جبل طارق والمضي حول القارة الأفريقية عبر رأس الرجاء الصالح، ما يضيف أسبوعين إلى رحلتها.
واستجابةً لهذا الوضع المُحيّر، أرسلت عديد الدول سُفنها العسكرية الخاصة إلى البحر الأحمر، معظمها في محاولة لحماية السفن التجارية هناك. ومع ذلك، ليس جميعها تعمل معًا.
وفي الواقع، هناك العديد من المهام العسكرية المعروفة بأسماء مثل "Prosperity Guardian" و"Aspides" و"Poseidon Archer"، شاركت فيها عشرات الدول -أو تمتنع بصريح القول عن المشاركة- اعتمادًا على من يتولى القيادة ومعرفة الهدف النهائي للمهمة.
وفي الوقت الحالي، فالجهود المتشظية تعمل جزئيًا. وقال مسؤول الدفاع الأمريكي لـ "Breaking Defense": "الشحن التجاري، على الرغم من أنه ليس على مستوى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لا يزال حوالي 70% من حركة التجارة العادية المتوقعة بشكلٍ عام".
لكن مع تواجد العديد من السفن العسكرية في الممر المائي الاستراتيجي نفسه، تتعقد الأمور وتصبح مربكة - بما يكفي لتعرض طائرة مُسيّرة أمريكية لنيرانٍ صديقة تقريبًا قبل فترة قريبة.
وفي محاولة لفك الشبكة المفتوحة للعمليات التشغيلية، إليك دليل حول من يفعل ذلك هناك، ولماذا؟

• عملية "حارس الازدهار" (Operation Prosperity Guardian)
كانت أول مبادرة للحماية متعددة الجنسيات هي عملية "حارس الازدهار"، التي أعلن عنها وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن)، ديسمبر/كانون الأول، كـ"مبادرة أمنية متعددة الجنسيات تحت مظلة القوات البحرية المشتركة" تشارك فيها 10 دول: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، سيشل وإسبانيا.
وبعد ثلاثة أيام، صرّح الناطق الصحفي باسم وزارة الدفاع الأمريكية (بات رايدر) أن ما يصل إلى 20 دولة أعربت عن استعدادها لدعم المبادرة، على الرغم من أن بعض الدول الأصلية، مثل إسبانيا وإيطاليا، أصدرت في وقت لاحق بيانات عامة تبدو بأنها تبتعد عن المهمة. وفي 9 يناير/كانون الثاني، انضمت سنغافورة وسريلانكا إلى العملية.
إحدى الصفات الرئيسية لـ"حارس الازدهار" هي أنها تتميز بطابعٍ دفاعي تام، حيث تتولى إسقاط الصواريخ والطائرات المُسيّرة التابعة للحوثيين من السماء بشكلٍ متكرر. ويبدو أن هذا هو أحد الأسباب التي دفعت العديد من الدول الأجنبية للانضمام إليها، إذا كانت التباينات مع العملية التالية مؤشرًا على ذلك.

• عملية "قوس بوسيدون" (Operation Poseidon Archer)
في الوقت نفسه، اعتمدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نهجًا أكثر عدوانية. حيث أطلق البلدان عملية "قوس بوسيدون"، وقد قامت الدولتان بسلسلةٍ من الضربات العسكرية على مواقع الحوثيين في اليمن، بدءًا من 11 يناير/كانون الثاني، بدعمٍ من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا. وشملت الضربات اللاحقة "الدعم" من قِبل دول أخرى، على الرغم من أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تذكر تفاصيل هذا الدعم.
وتُعتبر هذه العملية مثيرة للجدل في نظر بعض الدول، ولاحظ عدم وجود دعم علني من العديد من الدول الأوروبية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وقد أدانت روسيا وإيران، كما هو متوقع، الضربات، في حين صرحت الصين بأن "الهجمات على اليمن لم تقتصر على تدمير المرافق بل زادت من حدة التوتر في المنطقة".
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي (جو بايدن) اعترف بأن الضربات الأولية لم توقف العدوان الحوثي، فقد دافع المسؤولون الأمريكيون عن الموقف الهجومي.
كما صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الرائد (بيت نغوين) لـ"Breaking Defense" قائلًا: "هاجم متمردو الحوثي البحرية الأمريكية والسفن التجارية أو هددوها 99 مرة منذ 19 نوڤمبر/تشرين الثاني". 
وأضاف نغوين أن الولايات المتحدة "وشركاءها" نفذوا "أربع ضرباتٍ مشتركة في 11 يناير و22 يناير و3 فبراير و24 فبراير" بالإضافة إلى 44 ضربة "دفاعية ذاتية".
وأوضح أن الضربات المشتركة والضربات الدفاعية قد دمرت أكثر من 150 صاروخًا وأيضًا مبانٍ للتخزين والدعم ومبانٍ لتخزين طائرات المُسيّرة ومبانٍ للاتصالات ومرافق تخزين تحت الأرض ومحطات أرضية للطائرات المُسيّرة.

• عملية "آسبيديس" لقوات بحرية الاتحاد الأوروبي (EUNAVFOR Operation Aspides)
فيما يعتبره المحللون تحركًا بعيدًا عن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، أعلن المجلس الأوروبي في 19 فبراير/ شباط عن بعثة دفاع متعددة الجنسيات في البحر الأحمر بمبادرة من الاتحاد الأوروبي: عملية "آسبيديس" لقوات بحرية الاتحاد الأوروبي (EUNAVFOR Aspides).
وقال الاتحاد الأوروبي في إعلانه: "ستضمن العملية "آسبيديس" وجودًا بحريًا للاتحاد الأوروبي في المنطقة التي استهدفت فيها هجمات الحوثيين العديد من السفن التجارية الدولية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وبالتعاون الوثيق مع شُركاء دوليين من الدول التي تشارك في الرؤية المماثلة، ستسهم "آسبيديس" في ضمان أمن الملاحة البحرية وضمان حرية الملاحة، خاصةً بالنسبة للسفن التجارية. وضمن ولايتها الدفاعية، ستوفر العملية وعيًا بالوضع البحري وترافق السفن وتحميها من الهجمات المحتملة في المجالات المتعددة في البحر".
ويشمل التكتيك البحري هذا حسب التقارير حلفاء أمريكيين مثل بلجيكا والدانمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وإسبانيا، مما يطرح السؤال: لماذا لا يشاركون في عملية "حارس الازدهار" التي تقودها الولايات المتحدة بالفعل؟
وصرح (ديڤيد ديز روش)، أستاذ مشارك في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا لدراسات الأمن، سابقًا لـ "Breaking Defense" أنه يعتقد أن "الاتحاد الأوروبي عازم على بناء هويته الخاصة في المجال العسكري بصورة مستقلة عن حلف شمال الأطلسي، الذي يراه مهيمنًا من قبل الولايات المتحدة".
وبالمثل، يُشير تحليل نشره مركز الأطلسي للدراسات، وهو مركز أبحاث يقع في واشنطن، "في حين تواصل العديد من الدول الأوروبية التعاون مع حارس الازدهار، تم إنشاء العملية الأوروبية كدليل على الانفصال عن العملية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، والتي تعتبرها بعض الحكومات الأوروبية تصعيدًا في السياق الإقليمي الهش والمتوتر".
وأشار التقرير أيضًا إلى أن الدول الأوروبية قد تكون أكثر فعالية في جهودها بدون قيادة أمريكية. وكتب المحللون أنه "قد تكون هناك قيمة حقيقية في النهج الأوروبي الحالي، للشركاء الإقليميين وكذلك للولايات المتحدة. وبفضل وجودٍ بحري وعسكري ودبلوماسي طويل الأمد في خليج عدن، تتمتع أوروبا بمصداقية وشرعية للتعامل مع اللاعبين الإقليميين بشكل أكثر شمولية".
وأعرب مسؤولو العمليتين عن استعدادهما للتعاون والتنسيق مع بعضهما البعض، وذلك بعد واقعة وقعت في أواخر فبراير/شباط أظهرت المخاطر المترتبة على وجود بعثاتٍ منفصلة عندما أطلقت فرقاطة ألمانية بالخطأ طلقتين على طائرة مُسيّرة من طراز MQ-9B تابعة للولايات المتحدة.

كما صرح مسؤول دفاعي لـ "Breaking Defense": "يمكننا تأكيد أن الطائرة المُسيّرة MQ-9 تابعة للولايات المتحدة تعرضت للاستهداف في البحر الأحمر في 27 فبراير/ شباط. ولم تتعرض الطائرة لأضرار واستمرت في مهمتها. و تتنسق القيادة المركزية مع الاتحاد الأوروبي وعملية آسبيديس للتحقيق في الظروف التي أدت إلى هذا الحدث وضمان تفادي الاحتكاك في المجال الجوي. لذا تستمر عملية حارس الازدهار وعملية آسبيديس في العمل جنبًا إلى جنب بينما نواصل مهمتنا لضمان حرية الملاحة".
وحتى هذا الأسبوع، أكد المسؤول لـ "Breaking Defense" أنه لم يتم تتبع أي حوادث أخرى لعدم التواصل السليم بين العمليتين.
"نحن ننسق عن كثب مع قيادة الاتحاد الأوروبي وآسبيديس لضمان تنسيق العمليات الدفاعية في البحر الأحمر بين حارس الازدهار وآسبيديس. و لقد قمنا بذلك في عمليات أخرى، ونحن دول متفهمة لبعضنا البعض، وسنعمل معًا وبشكل جيد معًا"، قال المسؤول.

• ما دور دول الخليج؟
مع تدفق السفن الأجنبية إلى المنطقة، تشارك دولة واحدة فقط من دول الخليج علنًا وبنشاطٍ في واحدة العمليات المذكورة سابقًا، وهي البحرين في "حارس الازدهار".
وعلى الرغم من أن المشاكل في البحر الأحمر، وتهديد الحوثيين على وجه الخصوص، يؤثران مباشرة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أن كلا الدولتين لم تشاركا في المهمات الأمنية. وفي حين لم تعلق الممالك الاثنتين علنًا، قال محللون لـ "Breaking Defense" في وقتٍ سابق من هذا العام إن السبب المحتمل هو أنهما لا ترغبان في أن يُنظر إليهما على أنهما تدعمان إسرائيل في حربها على غزة، ويمكن أن يكون ذلك إشارة جديدة على تصاعد الخلاف بين دول الخليج وواشنطن.
وصرح المحلل الاستراتيجي البحريني (يوسف مبارك) لـ "Breaking Defense": "سياسة الولايات المتحدة الخارجية المعاصرة وتشكيلاتها الدفاعية والمبادرات الأخيرة وضعت مصالح الأمن القومي لحلفاء الخليج التاريخيين الرئيسيين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أولوية أدنى لصالح المنافسين الإقليميين ووكلائهم. وبالتالي، فإن العدوان الحوثي الأخير ضد الحركة البحرية العالمية هو نتيجة متوقعة".

• ثم تأتي الصين:
وفقًا لمسؤول الدفاع الأمريكي، يوجد في المنطقة وفي أي وقت ما بين أربعة وثمانية سفن تابعة لتحالف تقوده الولايات المتحدة لتأمين حركة الملاحة البحرية التجارية. ولكن التقارير تشير إلى أنها ليست القوة العظمى الوحيدة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن التقارير العامة تُشير إلى أن الحوثيين يبذلون جهدًا مركزًا لعدم استهداف السفن الصينية، إلا أن وسائل الإعلام الحكومية الصينية أفادت بأن بكين أرسلت الأسطول 46 للبحرية في الجيش الشعبي التحريري إلى الشرق الأوسط "لتولي مهمة مرافقة من الأسطول البحري الـ45 في خليج عدن ومياه الصومال"، وفقًا لوكالة الأنباء الصينية شينخوا.
وقال (جورجيو كافييرو)، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics المستشارية المقرة في الولايات المتحدة، لـ Breaking Defense: "على الأساس، لدى جميع الدول مصالح متعلقة بأمن البحر الأحمر نظرًا لأهمية هذا الممر المائي للتجارة الدولية. والصين ليست استثناءً".
وأضاف أنه من غير المرجح أن تشارك الصين في العملية الأمنية بقيادة الولايات المتحدة، حيث لا ترغب الصين في دعم ما تراه هيمنة أمريكية. والانضمام إلى Prosperity Guardian قد يعرض "رسالة تفيد بتوجه الصين المتوازن مع الولايات المتحدة" فيما يتعلق بدعم إسرائيل في نزاع غزة.
وقال كافييرو: "إن القيادة الصينية حريصة جدًا على نشر سردية للعالم العربي الإسلامي وعمومًا للجنوب العالمي بأن الصين هي مدافعة عن قضية الشعب الفلسطيني. كما يبدو أن السفن الصينية تتمتع بمناعة في الحقيقة حيث لا يشن الحوثيون هجمات بحرية ضدها، وبالتالي فإن بكين ليس ضروريًا أمامها التعاون مع الغرب في الجهود الرامية لردع الحوثيين عن ممارسة المزيد من هذا السلوك المخرب".