يجمع بين الدراسة والعمل.. ” أحمد “. صراع الطفولة والمسؤولية..!

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

كتب/ رائد علي شايف

بنظرة صباحية أولى يختزل أحمد مسافة الطريق الواصل بين بيته ومدرسته، يرنو إليها شاخصا متسمرا في مكانه مع كل متسع من إجازة ، ثم ما يلبث أن يطأطئ  رأسه نحو الأسفل ويعود خطوة للخلف قبل أن يواصل طريقه نحو الاتجاه المعاكس عله يتمكن من اللحاق بإحدى السيارات المتجهة نحو مزارع القات في مهمة يصفها (أحمد) بالبحث عن رزق يسد به حاجة إخوانه القصر، وأمه التي تودعه مع إشراقة كل يوم بإبتسامة رضا،ترافقها دعوة ودمعة..!

قصة كفاح متضادة  تجمع بين أمل وطموح وألم وجروح، بين الاستجابة لرنين جرس المدرسة،وتلبية صوت خواء الأمعاء لأطفال وجد أحمد ذو ( 15 عاما ) نفسه مسؤولا عن توفير مأكلهم ومشربهم وكل ما يتعلق بحياتهم..!

سطور المعاناة:

يعيش أحمد رفقة أمه وإخوانه الأربعة في منزل إيجار بمدينة ، يتكون من ( غرفة واحدة لا تتعدى مساحتها 2×٣ متر) وبجانبها مطبخ وحمام لا يحويان ولو قليلا من مستلزمات الاستخدام الضرورية، في الوقت الذي تركهما الأب وهو يعاني أمراضا عدة في جسده ورحل ليرتبط بزوجة أخرى يعيش معها وفي منزلها البعيد،ولا يعود إلى أسرته هذه إلا بزيارات متباعدة وخاطفة لا تتعدى اليوم أو اليومين فقط،زيارة بالكاد تنتهي على وقع خلافات أسرية بفعل حالة الأب النفسية والمرضية المتردية..!

حاولنا جمع أكبر قدر ممكن من تفاصيل الحياة اليومية للطفل أحمد، وتكونت لدينا خلفية جيدة عن ماهية العوائق والصعاب التي لربما تكبل طموحاته وتعمل على تشويش ذهنيته ،بعد أن كان لنا قدر الوصول إلى حيث يقطن وأسرته من منطلق الزيارة التفقدية الودية، دون اخباره بطبيعة المهمة الصحفية،تجنبا لكل ما قد يعكر نفسيته ويحبط معنويته أويشعره بشيء من غصة الحلق.

وحالما التقيناه وجدناه فتا بشوشا  خجولا  يصل به الحياء حد إيثار الصمت الطويل في حضرة الإنصات لحديث من يكبره أو حتى يوازيه سنا، لكنه كان متجاوبا مع استفساراتنا عن مدى قدرته الجمع بين انتظام الدراسة واستغلال بعض الوقت في الحصول على فرصة عمل يجني من خلالها ما يغطي فيه مصروفاته المدرسية وقبل ذلك احتياجاتهم المنزلية.

طموح “مخنوق”:

يقول أحمد :” أحضر بانتظام إلى المدرسة واجتهد كثيرا في واجباتي المدرسية وانافس على المراكز الأولى في كل الفصول،  وكلما سنحت لي الفرصة في أيام الإجازات والعطل المتعددة الرسمية منها أو تلك الطارئة بفعل اختلال الأوضاع، أذهب إلى مزارع القات وأعمل في قطفه ابتداء من ساعات الصباح الأولى وحتى وقت ما قبل الظهيرة بقليل حينها أعود مرهقا إلى البيت وقد جمعت قليلا من المال”..!

يأخذ أحمد نفس عميق ثم يواصل بنبرة منكسرة،سرد تفاصيل معاناته اليومية التي لا يقوى على مجابهة اعبائها المادية حين يصف ما يتقاضيه من أجر مقابل عمله الشاق والمرهق بالمردود القليل الذي لا يكاد يكفي حتى لتوفير أبسط الاحتياجات الأساسية،ناهيك عن متطلبات المنزل من إيجار وماء وكهرباء،لكنه يختصر الحكاية معلقا على ذلك بإبتسامة حزينة وهو يهز رأسه قائلا:”شيء أفضل من لاشيء”..!

التمسنا من خلال حديثنا مع أحمد عزمه السعي لمواصلة دراسته الثانوية مع زملائه وبشكل أكثر مثابرة وانتظام، وطموحه لنيل الدراسات العليا بكل همة واهتمام،لكنه يشير إلى أن ثمة معضلة ما، تهدد بنسف حلمه وتقطع أوصاله رويدا رويدا،هذه المعضلة ،”يقول أحمد”،أنه يصارع  تفاصيل يومياتها مع إشراقة كل صباح، ويسعى لتجاوزها والمضي قدما نحو دروب العلم والنجاح، وبين هذه وتلك تتراوح نظراته وتتداخل أفكاره لتستمر معها وفيها رحلة الصمود والكفاح..!

تفوق على الذات:

يحدثنا المعلم “علي محسن” عن علاقة  “أحمد” المخلصة بمعلميه وزملائه طيلة سنوات ثلاث سابقة تجذرت فيها العلاقة بين “طبشور المعلم” و”كراسة التلميذ ” حتى غدت متلازمتين زاد من رسوخهما حضور دائم ومتقد لمثالية المعلم وتفاعل رائع وكبير لنموذجية الطالب، وبينهما كان شعاع التفوق للفتى “أحمد” يضفي على أرجاء الصرح التعليمي مزيدا من النور وكثيرا من الألق والسرور..!

ويضيف المعلم علي شارحا تفوق أحمد الدراسي ومدى قدرته  المذهلة على الفهم والحفظ، قائلا :” أنه كان منافسا دائما على المراكز الأولى ومتفوقا على أقرانه بكل جدارة واستحقاق في مراحل دراسته الابتدائية والإعدادية قبل أن يبلغ مرحلة الثانوية التي يخوض غمار سنتها الأولى حاليا”، في إشارة  واضحة إلى أن لذة التفوق تطغي على كل الآلام والأوجاع،وتأكيدا جليا على أنه من رحم المعاناة يولد الإبداع..!

وعلى النقيض من ذلك تماما يتفوق أحمد أيضا على ذاته وهو يكافح لتوفير لقمة عيش كريمة لأسرته حين ينخرط مجبرا بسوق العمل متى ما وجد الفرصة لذلك نظرا لظروف أسرته القاهرة دون أن يعي خطورة فعله هذا،وأنه يندرج تحت ظاهرة “عمالة الأطفال” التي تجرمها كل الشرائع والقوانين وتعمل على محاربتها المنظمات والهيئات الدولية التي تعنى بحقوق الطفل،لكن  (أحمد) يبرر عذره بأنه يذهب مجبرا ومكرها للالتحاق بالعمل رغم حداثة سنه،آملا في الحصول على العيش الحلال- حد وصفه-  في زمن يتضور فيه الإنسان جوعا وتنهش جسده الفاقة بين جدران منزله دون أن يجد أي التفاتة ممن حوله، إلا متى ما خرج إليهم يمد يد الحاجة لهم ويفترش قارعة الطريق رافعا أكفه ليسألهم إلحافا..!

مخاطر جسيمة:

إنه الطموح الذي  تتجاذبه المخاوف،والعمل المحفوف بالمخاطر وفق الأخصائي الاجتماعي  “عبدالله شايف أحمد”، الذي أوجز لنا أبرز المخاطر المترتبة عن عمالة الأطفال وبالذات العمل في مزارع القات كما هو الوضع مع حالة أحمد، قائلا :” هناك مخاطر صحية تؤثر على صحة ونمو الطفل جسمانيا بسبب التعرض لمبيدات السموم والأسمدة وهذه لها انعكاساتها الصحية على السلامة الجسدية والعقلية، إلى جانب تعرضه لأشعة الشمس الحارقة وضربات البرد القارسة حيث الانطلاق إلى العمل في ساعات الصباح الأولى التي غالبا ما تكون باردة جدا خصوصا في فصل الشتاء، ثم العودة في ذروة الحر ظهرا وبالذات في فصل الصيف،عوضا عن أن البنية الجسمانية لدى الطفل لا تحتمل رفع بعض الأحجام الثقيلة حيث وزنها يفوق وزنه أحيانا.

ويضيف :” كما أن التنقل من المنزل إلى مكان العمل تشوبه مخاطر عدة منها بعد ووعورة الطريق وازدحام المارة مما قد يجعله عرضة للحوادث المرورية القاتلة والشواهد كثيرة على ذلك”.

ويقول عبدالله شائف – وهو المدير العام التنفيذي لصندوق الرعاية الاجتماعية بمحافظة الضالع – :” من المخاطر أيضا أن انشغال الطفل وتفكيره المستمر في تأمين لقمة العيش قد يخل بانتظامة في الدراسة ويقلل من تفوقه وربما ذلك قد يدفعه للتسرب عن التعليم، وكل هذا قد يولد لديه ضغوطا نفسية لا تحتملها قواه العقلية،كما أن العمل بين أشخاص يكبرون الطفل سنا قد يعرضه لمخاطر الاعتداء والتحرش وهذه تعد من أهم مخاطر عمالة الاطفال”.

أرقام مخيفة:

وتقدر آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمة العمل الدولية أن عدد الأطفال العاملين في يفوق 400 ألف طفل عامل ينتمون للفئة العمرية (10 – 15 سنة)، نسبة الذكور منهم 55.8 في المائة، ونسبة الإناث 44.2 في المائة.

وتفيد “العمل الدولية” في تقرير لها بأن نحو 34.3 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً يعملون باليمن،وتشير إلى أن العدد في ارتفاع متواصل.

وتؤكد المنظمة وجود 1.4 مليون طفل يعملون في اليمن محرومين من أبسط حقوقهم، الأمر الذي يثير، بحسبها، حالة من الطوارئ تستوجب تحركاً دولياً للمساعدة على الحد من هذه الظاهرة.

وتذهب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إلى أن هناك أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس بسبب تداعيات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أعوام ،وتقول “اليونيسيف” إنه “يصعب قياس التأثير المباشر للنزاع على الأطفال في اليمن”.

أما بعد:

قصة (أحمد) تعد مثالا شاهدا لأطفال  وجدوا أنفسهم في سوق العمل يكافحون لإعالة أسرهم، ويستمرون في صناعة مستقبلهم، دون أن يجدوا أي اهتمام لأوضاعهم المعيشية، فلا حكومة تعلم عنهم شيئا، ولا مجتمع ينظر بعين العطف إليهم، ولا منظمات تهتم لشأنهم على النحو المرجو،ووحدهم من قرروا خوض التحدي الصعب لمواجهة ظروف المعيشة المرة،وقساوة البيئة المحيطة المتخاذل أهلها عن الأخذ بأيدي أمثال هؤلاء المكافحون في سبيل العيش الكريم..!

شاركنا ..

إعجاب تحميل...

#اليمن #الجيش_اليمني #


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة يافع نيوز ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من يافع نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

0 تعليق