لا وجود للوحدة بين عدن وصنعاء عبر التاريخ..

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

لا وجود للوحدة بين وصنعاء عبر التاريخ..

 

يافع نيوز – العرب:

تفتح عدن عينها على الأفق، حتى الهند، مِن قصرها الأثري قصر المعاشيق، وهو عبارة عن قلعة شيدها الإنكليز، ثم صار داراً للحكم بعد خروجهم مِن عدن (1967)، بعد احتلال دام (129 عاماً)، يقع على جبل يشكل شبه جزيرة صغيرة، يشرف من واجهته الأخرى على حيّ كريتر، وسط عدن. بعد تقلب الأحوال انتقل الحكم إلى حي التَّواهي، المشرف على ميناء عدن، وتحول قصر المعاشيق إلى سكن للرئيس عبدالفتاح إسماعيل، ثم إلى دار لضيافة كبار الوفود.

 

بين قصر التواهي وقصر المعاشيق تنقل المندوبون السامون بعدن، وثم رئاستي جمهورية الجنوبية، فالديمقراطية، والاسم الذي كان مستخدماً العربي، فعدن حتى تقع في أقصى الجنوب العربي، هذا الاسم يتطلع إليه العديد من الساسة العدنيين والحضارمة، كي يفكوا الارتباط باليمن الشمالي، وينتهي هاجس الوحدة، الذي دفع ثمنه الجنوبيون مضاعفاً، فالتسعة ملايين مع صغر المساحة، يوم عقد الوحدة بين عدن وصنعاء، تغلبوا بالعدد وابتلعوا المليونين ونصف المليون مع وسع المساحة، وهم أهل الجنوب.

 

كانت الوحدة عند خروج البريطانيين غير مطروحة، أما العلاقة بين ثورتي سبتمبر الشمالية وأكتوبر الجنوبية فلا صلة لها بالتوحيد، إنما كان للناصرية دور في هذا الربط، إضافة إلى تداخل الحدود والبشر بين الطرفين. غير أن تطلعات الوحدة العربية لدى جمال عبدالناصر الذي دعم الجبهة القومية ضد جبهة التحرير ثم تطورها عن طريق القوميين العرب، الذين تحولوا إلى الماركسية، جعلا الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب خطوة، من دون أن يقصدوا، إلى الوحدة العربية، التي كان يُنادي بها عبدالناصر، وربَّما لو كان الأخير حيّا ما تشكل الحزب الاشتراكي اليمني، ليقود التوجه إلى الماركسية اللينينية، والدعوة الإعلامية إلى الاشتراكية ببلد ليس فيه أي أساس من أسس المدنية، ما عدا عدن، التي احتفظت بمدنيتها من البريطانيين، وكذلك بحضرموت، وإلا فبقية المحافظات كانت في يوم إعلان الجمهورية بعد الاستقلال (30 نوفمبر 1967) سلطنات تعيش ما قبل التاريخ، وليس فيها غير قصور السلاطين ومزارعهم.

 

كان ذلك بسبب الوضع العالمي، حيث الحرب الباردة بين الرأسمالية والاشتراكية، والوضع الإقليمي والنزعة الثورية القومية الناصرية، التي تريد موطئ قدم للقيام بالانقلابات، ضد الأنظمة الملكية، وأهمها المملكة العربية السعودية، فكانت بوجود الجيش المصري، والدعم السعودي للإمامة، على الرغم من اختلاف المذهب، وقد ساهم جنوبيون في هذه الحرب بنفحة قومية ناصرية، وليست فيها دعوة إلى وحدة اليمن. فالوحدة عبر التاريخ لا وجود لها، إنما صارت من مبادئ الجبهة القومية وحزبها الطليعي، الذي تحول إلى الحزب الاشتراكي اليمني.

كان فكر هذا الحزب مستقى، عند بعض قادته، من التجربة الفيتنامية في الوحدة بين الشمال والجنوب، لذلك صار التنظيم الماركسي في شمال اليمن جزءا من الحزب الاشتراكي اليمني، فبين أعضاء مكتبه السياسي عدد من الشماليين، الذين يرون في الوحدة غاية مصيرية. كذلك هذا التنظيم، هو أحد مورطي عدن بالوحدة الاندماجية من دون مقدمات، على أساس أن الحزب الاشتراكي اليمني، بوجوده شمالاً، سيكتسح الشمال، ومعلوم أن الجنوب يعتبر بالنسبة إلى الحزب أيضاً تحصيل حاصل، وبذلك سيستطيع الحزب توجيه الوحدة، من ناحية السياسة والاقتصاد كما يشاء.

غير أن على الطرف الآخر، كان علي عبدالله صالح، الذي قتله حلفاؤه السابقون الحوثيون، حريصا على الوحدة، وجذب الجنوب إلى الفخ، في وقت يراه مناسباً، وهو سقوط الاتحاد السوفياتي، ومن الصعب على الجنوب التعامل مع السعودية، التي كان يعتبرها عدوة لعقود من الزمن. فافتعل مظاهرات الإخوان المسلمين ضد الوحدة، واضعاً الحزب الاشتراكي في موقف محرج، بسبب أن الأخير عدو للإخوان، مع أن عبدالله صالح كان يعد الإخوان ببعض الإنجازات، وساهم في تأسيس حزبهم “” ليكون مقابل الحزب الاشتراكي، وبالفعل هذا الذي حصل.

ابتلع الجنوبيون الطعم، وهرولوا إلى ما كانوا يدعون إليه من تحقيق الوحدة، ومن بين ذلك احتفاظ الكبار منهم بالمناصب العليا في الدولة الجديدة، مع دفع غير عادي من ، لذا يُعتقد أنه لو تأخرت الوحدة ثلاثة شهور فقط -أي إلى ما بعد غزو الكويت (2 أغسطس 1990)- لما سمح الوضعان الإقليمي والدولي بتحقيقها على الإطلاق.

قامت الوحدة يوم 20 مايو 1990، باحتفال في عدن، رفع علم الجمهورية الجديدة علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وبقية الزعامات من الطرفين، وأخذت قوافل الشمال تتجه إلى الجنوب وقوافل الجنوب تتجه نحو الشمال، كل يبحث عن منافع الوحدة. غير أن ما حصل منذ الأسبوع الأول -حسب أحد أعضاء هيئة الرئاسة- هو أن الرئيس بدأ يمارس دوره السابق في الجمهورية اليمنية، وحُصرت السلطات بيده، فصار الجنوبي يخضع لقوانين ، وصارت دوائر الجنوب تدار من قبل شماليين. صحيح أن هناك جنوبيين في دوائر صنعاء، لكنهم ضاعوا وسط الكثرة والتعاليم الحكومية السابقة.

إلى جانب ذلك أخذ الشماليون يحتلون الأراضي في عدن، وبقية المحافظات، ودب الإهمال في عدن، فتحولت إلى مجرد قرية، بلا خدمات، وحلت في شوارعها تعاليم الإسلاميين، من الالتزام بالحجاب إلى فصل صفوف الدراسة، التي كانت مختلطة سابقاً. غير أن أهم ما خاتل به علي عبدالله صالح الجنوبيين هو تبادل المعسكرات بين الجنوب والشمال، وعندما اشتدت الخلافات طرح علي سالم البيض عودة المعسكرات إلى مواقعها، وذلك لدرء الحرب المرتقبة، غير أن صنعاء رفضت ذلك رفضاً باتاً، حتى انفجرت حرب 1994، ومثلما وصفها الرئيس المصري الأسبق حُسني مبارك كانت حرب احتلال.

اُحتلت عدن، وتربع علي عبدالله صالح في قصر المعاشيق في فصل الشتاء، على أن عدن أصبحت عاصمة اقتصادية، لكن ذلك لا معنى له، بل ظل أسر المدينة وملحقاتها، ففُصل الجنوبيون كافة من الوظائف الكبرى والعسكرية والأمنية، واحتلت احتلالاً مباشراً. فعاد أهل عدن والجنوب عامة إلى ما قبل التحرير من الاستعمار البريطاني، يُطالبون بالتحرير من مستعمر جديد، لكنه لم ينعش عدن كما هم البريطانيون، الذين جعلوها إحدى أفضل المدن في الشرق الأوسط، من ناحية التمدن والاقتصاد والتنوير.

حاول علي سالم البيض التخلص من الخطيئة التي وضع فيها الجنوب، بالعودة إلى عدن والاهتمام بها، وفك الارتباط بميثاق الوحدة، فتشكل الحراك الجنوبي الذي يُطالب بعودة جمهورية اليمن الديمقراطية، حتى جاءت المبادرة الخليجية بعزل علي عبدالله صالح، وتعيين نائبه عبدربّه منصور هادي، لكنها فترة قصيرة، وسيطر الحوثيون على قصر الرئاسة. وبالفعل كان للوفود التي ظلت مع علي عبدالله صالح، الذي لم يغادر اليمن، أمل في العودة إلى الحكم، وبعدها وصلت الجحافل الشمالية إلى عدن وهيمنت عليها، ويذكر ضباط جنوبيون أن الكثير من المدنيين الذين احتلوا عدن كانوا عسكريين خلعوا ثيابهم، واختلطوا بالحوثيين.

هذه المرة احتلت عدن بالتعاون مع الإخوان والقاعدة (1994) وكان الرئيس الحالي قد حصل على منصب وزير الدفاع من قبل علي عبدالله صالح، ليجتاح به عدن، فهو جنوبي من أبين ومن أفراد الجماعة الذين هربوا بعد حرب (1986) إلى داخل الحزب الاشتراكي اليمني، وبعد تنفيذ الاجتياح عُزل عن وزارة الدفاع ليكون نائب الرئيس، وهو منصب لا أهمية له، حتى جاءته الفرصة فصار رئيساً. لكن الأزمة أكبر منه، لذا لم ير الجنوبيون حلاً قريباً، فظلوا يصرون على العودة إلى دولتهم جمهورية اليمن الديمقراطية، فالعلم الذي يرفعونه يشير إلى ذلك، لكن العودة قد تكون تحت مسمى آخر.

 

اشتد موقف الجنوبيين، ووصلوا إلى قصر المعاشيق، والسيطرة عليه تعني الكثير، أي عودة الدولة المفقودة، بعد وحدة، لم ينل منها الجنوبيون غير الحروب والاستلابات. قيل اليوم إن الهدنة قد بدأت بين القوات اليمنية، التي تمثل الجيش اليمني، المهزوم أساساً من قِبل ومقاتلي الجنوب، لكن على ما يبدو أن الحل، في هذه الأجواء، لا يكون، بالنسبة للجنوبيين، إلا بعودة كيانهم السياسي، أو ترتيب البلاد على أسس اللامركزية. هنا، قد يعترض أحدهم ويتساءل: وهل يُترك الشمال للحوثيين والتدخل الإيراني؟ قطعاً لا، على العكس، فدولة الجنوب تختلف عن دولة الحوثيين، وهم كعصابة مذهبية لا أكثر، يختلفون في نواح كثيرة، منها المذهبية؛ فهؤلاء سُنَّة شافعية وأولئك زيدية متطرفة تسعى إلى القبول بولاية الفقيه الإيرانية، ولم تنسجم مع المذهب الزيدي نفسه، فسيجد الشماليون الذين ينافحون ضد الحوثيين، وعودة دولة الشمال إلى طبيعتها، دولة الجنوب عوناً، وانطلاقاً، بدلاً من تشتيت القوى الشمالية بين الجنوب والشمال. ومَن يتحكمْ في قصر المعاشيق يكنْ في الغالب صاحب المبادرة.

 

*كتب زيد بن رفاعة

شاركنا ..

إعجاب تحميل...

وسوم :

#اليمن #الجيش_اليمني #


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة يافع نيوز ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من يافع نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق