تعرف على الدولة التي قررت توفير وسائل المواصلات العامة بالمجان

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

 

 

لا تستغرق الرحلة عبر لوكسمبورغ من أدناها إلى أقصاها بالسيارة أكثر من ساعتين، تستمتع خلالها بمناظر حقول الكروم على ضفاف نهر موزيل شرقا، والوديان المتعرجة في غابات الأردين شمالا، والقرى الأخاذة العامرة بالمنازل الريفية والقلاع في وسط البلاد.

وقد تستغرق الرحلة أيضا من منزلك إلى عملك أو العكس في العاصمة لوكسمبورغ بوسائل النقل العام ساعتين، بسبب الاختناق المروري الذي يعد من المشكلات الكبرى التي تعاني منها المدينة.

وفي نهاية العام الماضي، تصدرت لوكسمبورغ عناوين الصحف حين أعلنت عن اعتزامها إتاحة جميع وسائل النقل العام في المدينة مجانا. وسيدخل هذا القرار حيز التنفيذ في مارس/آذار 2020، وستُلغى بموجبه تذاكر جميع القطارات والحافلات التي تمر عبر هذه الدولة الصغيرة التي تقع بين ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.

وسيستفيد من هذا القرار سكان لوكسمبورغ البالغ عددهم 602 ألف نسمة، والموظفون الذين يسافرون بحكم عملهم إلى البلدان الأوروبية المجاورة يوميا أو مرة أسبوعيا والذين يقدر عددهم بنحو 175 ألف موظف، بالإضافة إلى نحو 1.2 مليون سائح يزورون البلاد سنويا. لكن ما السبب وراء هذا القرار، وما هي الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها؟

ارتفع عدد سكان لوكسمبورغ على مدى العقود الأربعة الماضية بنحو 240 ألف شخص. وترافق ذلك مع ارتفاع حجم القوى العاملة من 161 ألف شخص في عام 1998 إلى 427 ألفا في عام 2018، وذلك نتيجة لزيادة معدل توافد العمال من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 168 في المئة.

 

واليوم، تُسجل في لوكسمبورغ أعلى نسبة سيارات مقارنة بعدد السكان على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهذا يشمل السيارات التي توفرها الشركات للعاملين غير المقيمين في لوكسمبورغ. ويستخدم 60 في المئة من العاملين سياراتهم للذهاب إلى العمل، بينما يستخدم 19 في المئة فقط المواصلات العامة.

تقدر تكلفة تشغيل شبكة النقل والمواصلات في لوكسمبورغ بنحو 500 مليون يورو

لكن فرانسوا بوش، وزير النقل والأشغال العامة في لوكسمبورغ، صرح بأن تخفيف حدة الازدحام المروري وتحسين البيئة لم يمثلا الدافعين الرئيسيين وراء اتخاذ هذه المبادرة. ويقول بوش: “هذا القرار له أبعاد اجتماعية في المقام الأول، إذ يهدف إلى سد الفجوة بين الفقراء والأغنياء. فتكاليف المواصلات تلتهم جزءا لا يستهان به من رواتب الموظفين الذين يتقاضون أجورا منخفضة. ومن ثم، رأينا أن الحل الأسهل هو إتاحة المواصلات العامة بالمجان للجميع”.

وبالرغم من أن لوكسمبورغ تُصنف ضمن البلدان الغنية – إذ يحصل العاملون فيها على أعلى متوسط رواتب مقارنة بنظرائهم في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – فإن الفقر أخذ ينتشر في البلاد، فالشريحة الأقل دخلا والتي تمثل 10 في المئة من السكان، بحسب مكتب لوكسمبورغ للإحصاءات، لا يتجاوز دخلها 1011 يورو شهريا، وقد أصبح 13 في المئة من العاملين و10 في المئة من المتقاعدين يواجهون خطر الانزلاق إلى خط الفقر.

وبخلاف قرار إتاحة المواصلات العامة مجانا، تعتزم حكومة لوكسمبورغ التي أعيد انتخابها مؤخرا، تمرير مجموعة من التشريعات الاجتماعية في عام 2019، منها رفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين نظام المعاشات، وزيادة تمويل التعليم العالي.

فكرة رائعة

يقول مبارك ربيع، الذي يعمل في سوق “لا بروفينسال” للبيع بالتجزئة: “سيكون الأمر رائعا أن تتاح المواصلات العامة مجانا”. ويتقاضى ربيع، وهو مطلق ولديه ابن وحيد عمره 12 عاما، 1770 يورو شهريا بعد اقتطاع الضرائب، وهو الحد الأدنى للأجور المحدد في لوكسمبورغ.

وينفق ربيع نحو 900 يورو على إيجار السكن، و50 يورو على المواصلات شهريا، ولا يستطيع توفير ثمن تذاكر المواصلات العامة السنوية التي تبلغ قيمتها 400 يورو.

ويقول ربيع: “في حال تطبيق هذا القرار مع قرار رفع الحد الأدنى للأجور، سيتمكن العاملون أصحاب الدخول المنخفضة من تلبية احتياجاتهم الأساسية”.

لكن إقناع أصحاب السيارات باستخدام القطارات والحافلات المجانية لن يكون سهلا، إذ يرى الكثير منهم أن وسائل النقل العام أصبحت قديمة وغير ملائمة.

قول مبارك ربيع إن قرار مجانية وسائل النقل سيساعد أصحاب الدخول المنخفضة في تلبية احتياجاتهم الأساسية

تقول فاطيما براغا المقيمة في لوكسمبورغ، وهي تعمل في تنظيف المنازل نهارا والشركات ليلا، إنها تسعى للحصول على الحد الأدنى للأجور.

وتقول براغا: “قرار إتاحة وسائل النقل مجانا سيخفف عن كاهلي نفقات الوقود لسيارتي. رغم أن التنقل جيئة وذهابا عبر الحافلة قد يستغرق ساعة ونصف على الأقل مقابل 50 دقيقة فقط بالسيارة”.

لكن أصحاب الدخول المرتفعة في المقابل ليسوا مستعدين بعد للاستغناء عن سياراتهم. إذ تستغرق رحلة آن كلاين، التي تعمل مدرسة للغة الألمانية، 30 دقيقة بالسيارة إلى مدرستها الثانوية في بلدة لاماديلين التي تبعد 30 كيلومترا عن منزلها في لوكسمبورغ، وذلك في الصباح الباكر قبل ساعة الذروة.

وإذا عادت من المدرسة في ساعة الذروة في آخر النهار قد يتضاعف زمن رحلتها، لكنها لا تفكر في استخدام المواصلات العامة.

وتقول كلاين: “يستغرق الطريق إلى المدرسة ساعة بالقطار، ولا يوجد قطار مباشر، بل اضطر للنزول وتغيير القطار، وقد أصل إلى المدرسة قبل موعدي أو متأخرة. ناهيك عن أنني أحمل حقائب كتب ثقيلة. وستظل السيارات هي وسيلة المواصلات الأكثر ملائمة بالنسبة لي، حتى لو كانت أعلى سعرا”.

وتعتزم الحكومة زيادة الإنفاق على مرافق النقل في إطار خطتها الجديدة “مودو 2.0″، إذ تخطط لزيادة الطاقة الاستيعابية لشبكة النقل والمواصلات بنحو 20 في المئة بحلول عام 2025، والتخفيف من حدة الازدحام المروري في ساعة الذروة.

وتتضمن الخطة الحكومية أيضا تحديث شبكة السكك الحديدية، وتحسين القطارات والحافلات العابرة للحدود، وإنشاء محطات جديدة لتسهيل التنقل بين القطارات والحافلات ومحطات الترام الداخلية (بالإضافة إلى مبادرات لتحسين الطرق)، وسترصد الحكومة 2.2 مليار يورو لتنفيذ هذه المشروعات بحلول عام 2023.

حل وسط؟

قد تبدو هذه التكاليف باهظة، ولا سيما إن كانت الحكومة ستستغني عن إيرادات وسائل المواصلات العامة.

لكن تذاكر وسائل النقل العام مدعومة من الحكومة بالفعل في لوكسمبورغ، إذ أن تذكرة الرحلة التي تستغرق ساعتين لا يتجاوز سعرها اثنين يورو، وبإمكانك استخدام جميع وسائل النقل في الدرجة الثانية طوال اليوم بتذكرة قيمتها أربعة يورو، ويحق لكثيرين استخدام وسائل النقل مجانا، مثل من هم دون 20 عاما، والطلاب دون 30 عاما، والأشخاص الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور.

تستغرق رحلة فريد تينيه بالسيارة من منزله في فرنسا إلى عمله في لوكسمبورغ 26 دقيقة، في حين تستغرق نفس الرحلة بالقطار ساعتين

ولا تغطي العائدات السنوية من تذاكر وسائل النقل، التي تبلغ 41 مليون يورو، إلا أقل من 10 في المئة من تكاليف تشغيل شبكة النقل والمواصلات التي تبلغ 491 مليون يورو. ورغم ذلك، يقول بوش إن تنفيذ خطة إتاحة المواصلات بالمجان لن يكلفهم الكثير من المال.

إذ تعتزم الحكومة إدخال تعديلات على التشريعات التي تجيز إعفاء نفقات الانتقال إلى العمل من ضريبة الدخل. وهذه التعديلات من شأنها أن تدر على الحكومة ما يصل إلى 115 مليون يورو سنويا، وقد تعوضها عما أنفقته على خطة تطوير شبكة النقل والمواصلات.

لكن البعض سيتضرر من هذه القرارات الجديدة، ومن بينهم فريد تينيه، وهو موظف في مصرف ويعيش في بلدة موندورف الفرنسية الواقعة على الحدود مع لوكسمبورغ. وفي الوقت الحالي يختصم تينيه 2,079 من الإقرار الضريبي السنوي نظير تكاليف الانتقال من منزله إلى عمله في لوكسمبورغ الذي يستغرق 26 دقيقة بالسيارة.

ويقول تينيه: “إذا استخدمت وسائل النقل العام يوميا، سأوفر نحو 2,000 يورو سنويا، لكن الرحلة بالحافلة أو القطار تستغرق من ساعة ونصف إلى ساعتين، وإذا فاتتني الحافلة أو القطار الذي يغادر المحطة مرة كل ساعة، لا أجد بديلا غير سيارة الأجرة. إن شبكة النقل والمواصلات في لوكسمبورغ في حاجة ماسة للتطوير”.

ولا شك أن العاملين الوافدين إلى لوكسمبورغ من بلدان أوروبية سيستفيدون من مجانية وسائل النقل. ويقول بوش إن قيمة تذاكر القطارات والحافلات ستنخفض في البلدان المجاورة، بعد التشاور مع القائمين على شبكات النقل فيها. وبإمكان البعض شراء تذاكر الدرجة الأولى مقابل 660 يورو سنويا، أو 75 يورو شهريا.

أرباح بلا مشقة

هذا القرار لفت أنظار العالم إلى لوكسمبورغ. ويقول الخبير الاقتصادي ميشيل إدوارد روبين معلقا: “لو كانت البلاد دشنت حملة ترويجية لكانت كلفتها الملايين، لكن لوكسمبورغ بهذا الإعلان روجت لنفسها دون أن تنفق يورو واحدا”.

ويرى روبين أن الضجة التي أثارها هذا القرار فاقت أهميته، ويقول: “فكرة مجانية وسائل النقل هي فكرة عصرية زائفة”، ويضيف أنه من الأفضل إنفاق هذه الأموال على دعم الإيجارات أو الإسكان الحكومي.

مصدر الصورةALAMY
Image captionأتاحت العاصمة الإستونية تالين لسكانها استخدام وسائل النقل العام مجانا منذ ست سنوات، وكانت النتائج غير متوقعة

وتوافقه الرأي كونستانس كار، الباحثة بجامعة لوكسمبورغ، وتقول: “تكاليف المواصلات العامة ليست من المشكلات الرئيسية في لوكسمبورغ”. وتضيف أن ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات هو المشكلة الحقيقية التي تجبر سكان المدينة على مغادرتها بحثا عن سكن في المناطق الحدودية.

وتقترح كار تخصيص المزيد من الأراضي لإقامة مبان سكنية عليها، مع أنها ليست واثقة من تأييد أصحاب الأراضي لهذه الفكرة.

وقوبل هذا القرار بمعارضة أيضا من اتحادات النقل الوطنية. وتقول مايلين بيانكي، رئيسة اتحاد “سيبرولو” للسكك الحديدية: إن “إتاحة المواصلات العامة مجانا للجميع قد يؤدي إلى تشويه المرافق العامة وتخريبها”. كما تخشى بيانكي من تسريح العاملين في شبكة النقل والمواصلات يوما ما.

لكن بوش يقول: “لن يفقد أحد وظيفته، بل سيتولى مفتشو التذاكر وبائعوها مناصب أخرى في مجال المعلومات أو حفظ الأمن على متن القطارات وفي المحطات”.

هل ستجدي هذه الخطة نفعا؟

لوكسمبورغ ليست الأولى التي تطبق هذا القرار، إذ أتاحت العاصمة الإستونية تالين من قبلها وسائل النقل مجانا في يناير/ كانون الثاني عام 2013، بهدف القضاء على الازدحام المروري وفي الوقت نفسه مساعدة أصحاب الدخول المنخفضة.

ويدفع السكان المقيمون في المدينة اثنين يورو مقابل الحصول على بطاقة خضراء تتيح لهم استخدام جميع وسائل النقل في المدينة.

كما تتيح مدينة دانكيرك الفرنسية لسكانها استخدام الحافلات مجانا منذ سبتمبر/ أيلول 2018. وبعد شهر واحد من تنفيذ هذا القرار، قال عمدة دانكيرك، باتريس فيرغريت، إن عدد ركاب وسائل النقل العام زاد بنسبة 50 في المئة في بعض الحافلات، وبنسبة 85 في البعض الآخر، وأن رضا الناس عن خدمة الحافلات زاد بعد أن أصبحت مجانية.

وفي العاصمة الإستونية تالين، لاحظت دراسة أجريت حول مجانية وسائل النقل، أن هناك أثرا سلبيا لم يكن في الحسبان، إذ انخفضت مسافات الرحلات للركاب بنسبة 10 في المئة، ما يدل على أن السكان أصبحوا يستخدمون وسائل النقل العامة في الرحلات القصيرة التي قد يقطعونها سيرا أو بالدراجة.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن سكان لوكسبمورغ أصبحوا أكثر انشغالا بالتشريعات الاجتماعية الأخرى التي تعتزم الحكومة إقرارها، ولم تعد مجانية وسائل النقل محور اهتمامهم.

ولم ينجح قرار إتاحة المواصلات العامة بالمجان في إقناع الكثير من سكان لوكسمبورغ بالتخلي عن سياراتهم. وتقول كار: “ينبغي تشجيع الناس على الاستغناء عن السيارات واستخدام وسائل نقل بديلة. لكن السياسات التي تهدف إلى الحد من استخدام السيارات لا تجد صدى واسعا بين الناس”.

إعجاب تحميل...

# #الجيش_اليمني #


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة يافع نيوز ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من يافع نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق