اخبار اليمن | "يشبم التاريخية".. نافذة على حضارات اليمن القديمة تعاني الإهمال

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

السبت ، ١٣ مايو ٢٠٢٣ الساعة ٠٧:٠٠ صباحاً (يمن فويس: يمن فريدم)

 

نشأت معظم الحضارات العظيمة الموغلة في القدم على ضفاف الأنهار والأودية، وارتبط بها الإنسان القديم، فالماء شريان الحياة والاقتصاد القديم، ولم يشذ وادي "يشبم" في محافظة جنوب عن هذه القاعدة، فعلى ضفافه شهدت "يشبم" المدينة التاريخية العريقة حضارة بلغت الآفاق تزيد على ثلاثة آلاف عام، وعاصرت ثلاثاً من ممالك اليمن العظيمة قبل الميلاد وهي أوسان وقتبان ومعين.

 

"اندبندنت عربية" التقت عدداً من الباحثين الأثريين والمسؤولين لمعرفة مدى البعد التاريخي والحضاري لوادي ومدينة "يشبم".

 

ويشير الباحث في التاريخ القديم علي البعسي إلى أن وادي "يشبم" مثل عديد من مناطق شبوة يعد من أماكن الاستيطان البشري القديم، ومنذ ما قبل ظهور الممالك القديمة في جنوب شبه الجزيرة العربية، مستدلاً على ذلك من خلال نتائج مسح لبقايا أثرية وجدت أن وادي "يشبم" من مناطق الاستيطان البشري القديم.

 

ويقول البعسي "عاصرت "يشبم" عدداً من ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية، ففي المرحلة التاريخية التي شهدت ظهور الممالك القديمة في كان وادي "يشبم" يقع في نطاق الوطن الأوساني (مملكة أوسان)، وعلى الرغم من أن النقوش الأوسانية التي كان بإمكاننا الاستدلال بها تم إتلافها على يد الملك السبئي كرب إيل وتر بعد نصره على مملكة أوسان في القرن الثامن قبل الميلاد، فإننا نجد الدليل من نقش النصر السبئي الذي دوّن أحداث الحرب السبئية الأوسانية"، وأشار إلى المناطق الأوسانية التي خربها السبئيون، فذكر وادي مرخة كمعقل للأوسانيين ومدينة حبان كأهم مدنهم، وبذلك يظهر أن "وادي يشبم ضمن الوطن اليزني، فموقعه الجغرافي بين وادي مرخة ومدينة حبان".

 

طريق القوافل التجارية

 

ويمضي البعسي في حديثه قائلاً "بعد سقوط مملكة أوسان سيطر رجال مملكة قتبان على "يشبم"، وذكروها في نقوشهم كبوابة من بوابات طرق القوافل التجارية القديمة، وأشاروا إلى أبراجها ذات اليمين وذات الشمال التي تمتد بامتداد الوادي، كما أن هناك بقايا لأبراج ومنشآت زراعية منذ العهد القتباني، وفيما بعد أصبح الوادي من مناطق اليزنيين المهمة وضمن وطنهم".

 

واكتسب الوادي أهمية تاريخية من خلال موقعه المهم على طريق القوافل التجارية القديمة، حيث إن الطريق من ميناء قنا القديم على ساحل جنوب اليمن إلى مدينة "تمنع" عاصمة مملكة قتبان، يمر بيشبم التي تعد بوابة من بوابات طرق القوافل، وهذا ما أشار إليه أحد النقوش القتبانية، كما بنى القتبانيون عدة أبراج مراقبة للقوافل المارة على امتداد الوادي.

 

إهمال ولا مبالاة

 

ويأسف البعسي من الإهمال واللامبالاة التي تعرضت لها آثار ومعالم مدينة "يشبم" منذ سنوات طويلة، مما أفقدها كنوزاً حضارية ذات أهمية، ملقياً باللائمة على ضعف اهتمام الحكومات المتعاقبة، وغياب الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على كنوز الحضارة العظيمة التي شهدتها المنطقة، مشيراً إلى بعض النقوش التي ذكرت تاريخ المنطقة، منها "نقش وجد في منطقة ثلا بمحافظة عمران شمال اليمن ويعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وورد فيه لفظ "يشبم"، ونقش آخر في متحف بيحان بالجنوب يشير فيه أحد قادة مملكة قتبان إلى توليه الإشراف على بوابة المدينة القديمة".

 

حضارة مستمرة

 

البعد الحضاري ليشبم وواديها الزراعي استمر في مرحلة التاريخ الإسلامي، وكان لأهلها دور في مرحلة الفتوحات الإسلامية كرجال "آل عفير" الذين خرجوا منها في طلائع جيوش الفتح الإسلامي، كما خرج منها أهل العلم والمعرفة ودعاة للإسلام إلى أفريقيا وآسيا، منهم الداعية الشريف عبدالقادر دميدم الجفري .

 

ويوضح رئيس مجلس إدارة مؤسسة طيبة للدراسات والأبحاث وخدمة التراث يحيى بانافع، أن "يشبم" منذ القدم كانت موطناً من مواطن العلم، ففي القرن الرابع الهجري عاش بها الفقيه عبدالرحيم بن نافع الأموي، حيث أنشأ المدارس الدينية، ومن بعده أولاده في القرن السادس ثم السابع، وكان بها رباط آل بانافع للعلم والمعرفة والسلوك، وفي القرن الـ10 رباط الشيخ عبيد بن عبدالملك بانافع للعلوم "، مؤكداً أن بها "مساجد قديمة عمرها من عمر التاريخ الإسلامي، وأن ضيق جغرافية الوادي أجبرهم على الهدم والبناء مكانه، مما طمس الآثار العمرانية القديمة".

 

ويضيف بانافع أن "أقدم مسجد في الوادي هو جامع الصعيد، الذي قيل إنه شيد في القرن الثاني الهجري، ثم جدد على يد الشيخ عبدالغفار بانافع سنة 601هـ، وتعاقبت عليه عدة دول في الوادي منذ القرن الخامس، فضلاً عن جامع "يشبم" الذي أسس في القرن الـ10 هجرياً، ومسجد الحوطة للشيخ عبيد في الفترة نفسها أيضاً، ومسجد الخضر والياس والسفال الذي أسسه الشيخ عبدالله بن علي السليماني بعد 600 عام من الهجرة"، مشيراً إلى أن "يشبم" كان يقصدها طلبة العلم والمعرفة من جنوب الجزيرة العربية وبعض الدول الإسلامية".

 

وأشار بانافع إلى النهضة العلمية التي شهدتها "يشبم" في القرون الماضية من خلال الموروث العلمي لدى بعض الأسر المهتمة بالعلوم، خلفاً لمن سلف من أهلهم"، موضحاً أنه أثر هذا الاهتمام المحدود في الأزمة المتأخرة، يحتفظون بعدد لا بأس به من المخطوطات العلمية القديمة التي يعود بعضها لأكثر من 600 عام في علوم الشريعة والحساب والفلك والنجوم والتربة والشريعة"".

 

حضارة الطين

 

"يشبم" من المدن التاريخية القديمة في محافظة شبوة، وتحتل المرتبة الثالثة من حيث تميزها بالنمط المعماري الطيني الأصيل والفريد، بعد مدينتي حبان والحوطة في ذات المحافظة الجنوبية، وتميزت بالنمط الطيني الخالص الأصيل، وهو نمط معماري تشتهر به محافظتا شبوة وحضرموت، ويتركز في المديريات الجنوبية والشرقية من محافظة شبوة.

 

ويرى المدير العام لهيئة المدن التاريخية بمحافظة شبوة، محمد السدله، أن "يشبم" هي الحد الفاصل بين النمط الطيني الأصيل الخالص والنمط الحجري والمختلط الذي يتركز في المديريات الغربية من ذات المحافظة.

 

واستعرض السدله مميزات عمارة "يشبم" بالقول "تشتهر المدينة كغيرها من مدن شبوة الطينية بالعمارة الطينية الخالصة، فهي من المدن الجميلة في نمطها المعماري ومبانيها المتراصة والمتلاصقة التي تشكل لوحة معمارية هندسية جميلة، وتتفاوت مبانيها فمنها ذات الطابق والطابقين والثلاثة طوابق وما فوق، كما توجد فيها الحصون الحربية ذات البناء العمودي أو الرأسي، التي تشتهر بعدد من المميزات منها البواشير في أعلى الأسطح والمواشي والمرادي، كما توضع قرون حيوان الوعل أعلى أسطح المباني للدلالة على الإباء والشجاعة، وتتجمل المباني بالزخارف الداخلية والخارجية، حيث تنحت على الأخشاب مثل الأعمدة داخل المنازل والزخارف الهندسية المتنوعة، وتزين المباني من الخارج فوق الأبواب بالزخارف الهندسية البديعة".

 

وتطرق السدل إلى الأهمية الاقتصادية الكبيرة التي شكلها وادي "يشبم" في الإنتاج الزراعي في القرون السابقة، مشيراً إلى أهميته الزراعية من خلال امتلاكه تربة طينية خصبة ينتج منها عدد من المحاصيل الزراعية أشهرها الحبوب، لا سيما الذرة الرفيعة والسمسم، وكذلك أنواع مختلفة من الخضراوات والفواكه، وكذلك شهرتها بالصناعات الحرفية وخصوصاً النجارة وصياغة الفضة، حيث ينتشر في المدينة عديد من ورش النجارة لصناعة الأبواب المزخرفة المنحوتة والشبابيك وغيرها من المنتجات الخشبية الأخرى التي تستخدم في البناء الطيني.

 

وعن دور هيئة المدن التاريخية في الاهتمام بيشبم الوادي والمدينة، يوضح السدله أن الهيئة أدرجت المدينة ضمن خططها المستقبلية للاهتمام بها، حيث تستعد لتنفيذ مسوحات ميدانية في عدة مناطق في المحافظة منها "يشبم" لتوثيق المعالم التاريخية والرفع بحاجاتها من مشاريع البنى التحتية مثل الرصف والإنارة والصرف الصحي.

 

وختم السدله القول "نعاني من قلة الدعم المالي لمشاريع الهيئة بسبب ظروف الحرب وتداعياتها، ومناشداتنا مستمرة للمنظمات والصناديق الدولية بالتدخل"، داعياً السلطة المحلية بالمحافظة للتدخل من أجل دعم مشاريع الهيئة والحفاظ على هذا الإرث الحضاري والثقافي الكبير الذي تمتلكه "يشبم"، وكذلك الحفاظ على المعالم الطينية والتاريخية، وتنفيذ ورش عمل وحلقات نقاشية عن تنمية الوعي الثقافي بأهمية الحفاظ على هذا الموروث المعماري الأصيل.  

(اندبندنت عربية)


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة يمن فويس ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من يمن فويس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق