اخبار الإقتصاد السوداني - محمد محمد خير يكتب: خيبة زراعية كبرى

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة
لم يكن لي سابق عهد بالزراعة، ولم أقترب نحو عالمها الضاجِّ بالأسرار والغموض، غير أني زرعتُ شجرة مانقو بمنزلي في محاولة لتقليد صديق تنث شجرته المزروعة وسط منزله أرجاً ذا رائحة تلسع أنفي كلما زرته بكافوري. حاولت تقليده وقمت بزراعة شجرة من ذات نسب شجرته، وصبرت خمسة أعوام أنتظر طرحها ورائحتها غير أن خبيراً زراعياً أخبرني بأنها لن تطرح ثمرة ولن تتضوَّع بتلك الرائحة لأنها (ضكر) وما زلت حتى هذه اللحظة أبحث في علامات ذكورتها دون جدوى . لم تردعني هذه التجربة فقد قمت منتصف العام الماضي بالزراعة على قاعدة إنتاجية وربحية، مستفيداً من مساحة تبلغ عشرين فداناً اشتراها ابني ليستثمرها حين يعود بشكل نهائي هذا العام .
دلَّني مُجرِّبون في زراعة العدسية واقترحوها لي كمحصول مضمون العائد وسريع النمو ومرغوب. وما زادني إيماناً برجاحة هذا المحصول ملاحظتي أن أعداداً هائلةً في أسواق الخرطوم الشعبية والمناطق الطرفية استبدلت الفول بالعدسية التي أصبحت تُباع على نطاق واسع لا سيما في المناطق التي تلتف حول العاصمة وتمسك بخاصرتها، بكلتا اليدين.
بعد تيقني أن ما أنوي زراعته أصبح المنافس الأوحد للفول وأنه يُباع لتجار المحاصيل في المزرعة وأن سيقانه تباع أيضا لأن الأغنام تستعذبها. توكلت على الحي الدائم وقصدت مزرعة الزبير بعد أن تلقيت مشورة فنية من السيد إبراهيم إدريس أحد أركان منطقة العسيلات وهو رجل عجمته الزراعة وأنضجته لدرجة أنه صار في حديثه العادي يلهج بمفردات الزراعة، فقد لاحظت أن حركة فمه تضيق وتتسع بمقدار ما ينطق من أفدنة، فحين يقول لك (فدان) تحس أن شفاهه تحركت بمفقدار محدود، لكنه حين يقول (عشرين فداناً) ترى أن فمه زاد اتساعاً لتلك المساحة كي يحويها!!
بدأت التعامل مع مفردات جديدة تسلّلت لتجربتي حديثة العهد مع الزراعة، فقد زوَّدني إبراهيم بنخبة من العمال الزراعيين المدججين بالمعرفة الوهمية، فأنت حين تراهم بالعراريق والسراويل الطويلة تحسبهم كائنات هبطت من ثغر غير معلوم من الكون. أما حين يبدأون الحديث معك حول التربة والخصوبة ودرجات الملوحة وميكانيزمات الأرض تجزم أنهم من خبراء منظمة الفاو.
بدأنا تلك الرحلة بتنظيف مجرى الماء عن طريق البوكلن، وتلك دابة زراعية لم أرها من قبل تجاوزت تكلفتها ال15 ألف جنيه ثم دخلنا مرحلة الحرث بالتراكتور مدة أسبوع كامل قضيته وسط هؤلاء العلماء الزراعيين متكفلاً بإطعامهم ومُكيِّفاتهم وقهوتهم فاتحاً قلبي لخُزعبلاتهم وعقلي للتجريف.
ثم أزف يوم البذر، ولذلك اليوم عادات وطقوس تكفلت فيه بالعتود الأسود والزيت والنار والخبز الوفير، ثم جاء يوم السقاية فانفتحت الترعة الرئيسية إكراماً لعدسيتي، وبعد أسبوعين ارتفع رأس المحصول من هامة الأرض في تلك اللحظة سكبت دمعاً اختلط بحُبِّي للتراب وبشعر صلاح جاهين.
الارض قالت آه
الفاس بتجرحني
رديت وأنا محني
آه منك انت واه
بعد أن رأيت رأس العدسية يخرج من ثنايا الأرض العظيمة اتأد الفؤاد فسافرت لكندا مطمئنا ومستقرا على صعيدي الجيب والوجدان .
بعد أسبوع من وصولي تورنتو أخبرني أحد العمال الزراعيين بأن الأمطار الغزيرة أنبتت قشاً من العصي إزالته إلا بتأجير عمال متخصصين في إزالة مثل هذه الألغام فاتصلت بإبراهيم الذي أحسست أن فمه، ازداد اتساعاً، وأما أراه من سماعة التلفون ذلك حين أخبرني بأن العشرين فداناً تتكلَّف عشرين ألفاً، فقررت مغادرة الأمر كله لأنني ببساطة سأبيع المحصول بالمجان.
عدت لأجد رؤوس العدسية خائرة والعشب في ارتفاع فأشار لي أحد العمال الزراعيين بأنه سيجلب أغناماً لتأكل العشب والعدسية معاً لتخفيف تكلفة (الحراتة) القادمة فوافته، وجئت بعد أسبوع لأرى زفة من الماعز والتيوس تنهمك في ازدراد العدسية والعشب الضار وعدت بعد يومين لأجد أن العدد الأكبر كان من التيوس فبدا لي أنه (تيوس داي).
بعد أن قضت الأغنام والتيوس على العشب والعدسية، اتصل بي العامل الزراعي وطالبني بدفع 5 آلاف جنيه (حق الغنم)، لكونها تفرَّغت لخدمتي وأخرجت الأذى من جوفها لتسميد الأرض، فاستنجدت بصديقي عادل عبد الغني للدفاع عني في أغرب قضية (نفقة).

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سودارس ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سودارس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق