اخبار الإقتصاد السوداني - قوى إعلان الحرية والتغيير: مقترح معالم برنامج إسعافي للسودان، في الفترة الانتقالية

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة
أدناه، تشتمل المسودة على ثلاث أقسام: برنامج المدى القصير، وبرنامج المدى المتوسط، ثم قائمة باقتراحات ترتيبات عامة لإدارة التنمية المستدامة والاقتصاد الديناميكي في . وينبغي البدء بتقرير الواقع بصدق: الأوضاع في السودان متأزمة اقتصاديا بحيث أن التحوّلات الإيجابية تحتاج لقطع مسافة قبل أن تصل للواقع الملموس. وذلك منطقي، فأثر الغاز السام لا يزول بمجرد إيقاف مصدر ضخه، وتلك هي تركة النظام البائد. هنالك ما يمكن فعله لجعل الأوضاع تمضي نحو التعافي التدريجي، وكذلك هنالك بعض المسائل التي لا تحتمل التأجيل في المعالجة. ما نقدّمه أدناه إنما هو موجّهات عامة، تعين على رؤية الصورة الكبيرة وأوجه العمل الممكنة في سبيل معالجة ما أفسده حكمٌ فاشلٌ وضار دام لثلاثة عقود.
ونفيد كذلك أننا استعنّا بعدد مقدّر من الخبراء والمراجعين، وأعضاء لجان المندوبين، في هذا العمل، وبكتاباتهم السابقة في المسائل التي تناولناها، وعدد من المراجع المتخصصة (والتي لم نذكرها هنا للاختصار، لكن سنسعى لتوفير القائمة لمن يسأل عنها). هذه المسودة نعرضها اليوم كعملٍ بدأ ولم يكتمل بعد، وخطوط عريضة ستأتي تفاصيلها، وذلك التكميل وتلك التفاصيل موعدنا معها عبر قنوات المشاركة القومية، مع كافة قوى الشعب وخبراته، عبر فترة البرنامج.
السطور أدناه ليست برنامجا تفصيليا، فالتفاصيل في الطريق الآن عبر صورتين: لجان سياسات بديلة موسّعة بخصوص 8 قطاعات تخص البرنامج الإسعافي (بدأت في العمل وما زالت)، والمؤتمرات التي ستقام بواسطة السلطة الانتقالية في بدايات الفترة الانتقالية لشحذ الخبرات والكفاءات لتقديم وتركيب برامج مفصّلة لهذا البرنامج الإسعافي. السطور أدناه تشكّل موجّهات استراتيجية عامة للصورة الكبيرة، تصلح تمهيدا عاما للبرنامج المفصّل وكذلك للمشاركة مع الجماهير، في أقرب فرصة، للتشاور معهم وبناء الرأي العام وشحذ الجهود حول البرنامج.
أولا: برنامج المدى القصير (السنتين الأوائل من الفترة الانتقالية)
الضائقة الاقتصادية الخانقة تحتاج عملا سريعا. سلطة طغمة الإنقاذ قامت بتفكيك وخلخلة الاقتصاد السوداني وجعلت موارد البلاد نهبا لغير ذوي الحق--الأراضي والمعادن ومصادر الوقود؛ كما ضيّعت القطاعات الإنتاجية (الزراعية والصناعية، أو ما توفّر منها) ولم تعط القطاع الخدَمي قسطا واضحا من الدعم. كل هذه الظروف الموروثة من النظام السابق ستتعرض لإعادة جرد وتنظيم وإصلاح، بصورة فنية تكنوقراطية ووفق معايير رسمية عامة. وبحكم صعوبة الأوضاع قد تكون هنالك بعض القرارات غير ذات شعبية عند بعض الفئات، وإن كانت المصلحة الكبرى تقتضيها، وفي مثل تلك الحالات سيكون التبرير المنطقي الواضح على عاتق السلطة قبل التنفيذ.
والمهمة الأخرى الكبرى للسلطة الانتقالية هي إنهاء الحروب والنزاعات المسلحة وإحقاق حقوق المظلومين والتعويض المعقول للضحايا والمتضررين من ظلم النظام البائد وعنفه البالغ. إنهاء النزاعات الداخلية سيحتاج لمراجعات صادقة وترتيبات انتقالية تتوخّى جبر الضرر الناتج عن تراكم طويل المدى من الظلم والغدر. نحن نؤمن أن عملية التعافي بين مكوّنات الوطن ستكون عملية أطول بكثير من الفترة الانتقالية، لكن الفترة الانتقالية قادرة على بدء العملية ووضعها في الوجهة الصحيحة، ويتوجّب عليها ذلك. بعض أجندة التعافي العاجلة تتضمن عملية إعادة توزيع السلطات والثروات، وتفعيل برامج إغاثة محلية وإعادة نازحين ومطالب تنموية عاجلة وذات أولوية، وإصلاح أراضي، إلخ.
المهمتين أعلاه تدخلان في صعيد العمل الداخلي للبلاد والشعب، ولا يخفى على الكثيرين حجم العمل الخارجي - الدبلوماسي والقانوني والاقتصادي - الذي ستحتاجه السلطات الانتقالية لإصلاح الكثير مما أفسده النظام البائد لوضع السودان في الجوار الإقليمي والجوار العالمي. هنالك قرارات قوية سينبغي اتخاذها وتنفيذها، وتوضع فيها مصلحة السودان والسودانيين نصب العين، كما ينبغي لأي بلد ذات سيادة وكرامة وسيرة حُسن جوار. النظام البائد شوّه وزلزل مكانة السودان في المناخ الدولي والإقليمي بصورة لها آثارها الاقتصادية والعسكرية والسياسية علينا جميعا، وعلى جهود الفترة الانتقالية اتخاذ قرارات عالية الخبرة والمهنية والقوة لعكس تلك الأوضاع. تلك القرارات ستكون ضمن مسؤوليات السلطات الانتقالية، بمعونة الشعب.
كيف نتعامل مع التضخم وارتفاع الأسعار، وشح الوقود وبعض السلع الغذائية، بأسرع ما يمكن؟
نظام الإنقاذ قام بطبع العملة بصورة مبالغة لتمويل نفقاته الكثيرة الزائدة عن عائدات السلطة (من الضرائب والقروض والمساعدات الخارجية، وكذلك من البترول الذي من المفترض أنه زاد الناتج المحلي الإجمالي قرابة تسعة أضعاف)، كذلك لتغطية عورات الفساد الكبير المتمثلة في نهب محسوبيه لثروة البلاد بدون أي رقابة حقيقية. وتلك سياسة مدمّرة بلا شك، كما أنها ساهمت في إسراع زوال النظام بسبب زيادة الغضب الشعبي عليه وتساقط هيكل الدولة عموما على نفسه بسبب الانتكاس الاقتصادي الكبير. نتج عن هذه السياسة تضخم الأسعار الذي أفقر المواطن بإضعاف القدرة الشرائية لدخله كما قادت إلى تأثر سعر الصرف لدرجات حادة، الأمر الذي أدى إلى تقزيم الإنتاج الزراعي والصناعي وخلق اقتصادا خدميا ضعيفا تسوده أعمال محدودة الأفق التنموي، حيث أنها غير قادرة على التعويض عن الدور المفقود لقطاعات الصناعة والزراعة لأنها تفتقد الديناميكية التكنولوجية ولا توفر فرص عمل واسعة النطاق وبتوزيع جغرافي يعين سياسيا على الاستقرار الاجتماعي-السياسي ومحاربة العطالة. وكل ذلك الدمار الاقتصادي قام به النظام البائد لتغطية نفقاته هو لا مطالب المواطنين، إذ إن أقرب المعلومات الموثوقة حول نفقات الدولة السودانية تقول إن النفقات العسكرية والنفقات السيادية تتجاوز ثلاثة أرباع نفقات الدولة، في ظاهرة نادرة جدا وخاصة في دولة فقيرة كالسودان تحتاج إنفاقا أكبر على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية مثلا، كما لم يكترث النظام باوضاع الأجور في القطاع العام للدرجة التي بلغت أردأ الحدود، ليس بمقاييس تكاليف المعيشة في السودان فحسب وإنما على مستوى العالم (كما جاء مفصّلا في دراسة تجمّع المهنيين السودانيين حول أوضاع الأجور، في نوفمبر 2018).
فوق ذلك، وكما نرى، لم تتخفّف الدولة، في ظل النظام البائد، من مسؤوليتها تجاه القطاعات الإنتاجية فحسب، بل حاربتها عمليا في شتى أطراف البلاد، وقامت بخصخصة الكثير من القطاعات الإنتاجية، وبذل الكثير منها تحت مسمى الاستثمار الأجنبي، كما قامت بإيجار الأراضي الزراعية الشاسعة في السودان لجهات أجنبية ولعشرات السنين، تحت مسمى الاستثمار كذلك، ضمن مشاريع لا تعود بفائدة مباشرة على الاقتصاد السوداني، بل عموما تؤدي لإهلاك تربة ومياه السودان ولا تخلق فرص عمل ولا تنمية ولا ارتقاء تكنولوجي للسودان نفسه. إضافة لذلك حاولت الحكومة استدراك الأزمة عن طريق حبس أموال المواطنين في البنوك ومنعهم من سحبها، ما أضعف ثقة المواطنين بالنظام المصرفي عموما بعد أن فقدوا الثقة بالعملة نفسها وبجدوى الحيازة عليها نتيجة للتضخم المفرط الذي أشعل النظام نيرانه. هذه الخلطة السيئة من تضخم الكتلة النقدية وارتفاع الأسعار، وتراجع الإنتاج المحلي (الضعيف أساسا) وقلة ثقة المواطنين في العملة المحلية، أدى لأوضاع كارثية كما شاهدنا.
وحل مشكلة متراكمة كهذه ربما يكون بقرارات واضحة وعامة إجرائيا، لكن نتائجها أكثر تعقيدا، فمفعول ما قامت به حكومة الإنقاذ ينبغي له أن يأخذ زمنا حتى يتعافى الاقتصاد منه. مثلا، ينبغي:
- تقوية تنافسية المنتج السوداني بما يجعل ارباح الصادرات أعلى ويساعدها على اختراق الأسواق خارج البلاد (إقليميا وعالميا). أيضا يجب الاهتمام بتقوية القدرة التنافسية للسلع المحلية البديلة للواردات بما يقلّل من الطلب على السلع المستوردة ويزيد من شراء السلع المنتجة محلياً (ما يدفع لزيادة الإنتاج المحلي المستهلَك في الأسواق المحلية). بهذه الطريقة يزيد الإنتاج في البلاد عن طريق تعزيز الإنتاج لبدائل الواردات وكذلك تقوية الصادرات، بحيث تتوسع فرص التوظيف، وتزداد العائدات الضريبية، وتهبط الكلفة الاجتماعية الناتجة عن الجيوش العاطلة عن العمل.
- هنالك أزمات قد تحتاج لقرارات غير ذات شعبية. مثلا، أزمة الوقود تحتاج لترشيد واضح ومؤقت للاستهلاك التابع للمواصلات الخاصة، ولدعم المواصلات العامة أكثر وتوسعة رقعتها كمّا وكيفا، وهذا أمر قد يؤثر على فئات معيّنة في المناطق الحضرية أكثر من أغلبية في الحضر والريف، لكن يجب على تلك الفئات المعيّنة قبول هذه القرارات المؤقتة في سبيل المصلحة العامة. أيضا، أزمة الخبز تحتاج إعادة نظر في تراتبية أولويات تخصيص المتوفر من العملة الصعبة للاستيراد ودعم خيارات أخرى وافية من الإنتاج المحلي لمحاصيل مثل الذرة وغيرها. مرة أخرى، إعادة صياغة الأولويات ومراجعة تخصيص موارد العملات الصعبة الشحيحة يتطلب بعض التضحيات من صفوة القطاعات الحضرية، في المدى القصير، لكنه على المدى الطويل أفضل للجميع بما في ذلك تلك المجموعات كذلك.
هذه فقط أمثلة مختصرة، لكن العبرة هنا أن هنالك حزمة قرارات يجب أن تقررها السلطات الانتقالية، باستشارة الخبراء الفنيين وبإدارة التكنوقراط، وبالتشاور مع السياسيين، لتحقيق إجماع وافي على البرنامج المطروح.
حزمة سياسات تنموية للمدى القصير:
بالإضافة لسياسات معالجة موضوع التضخم أعلاه، هنالك سياسات أخرى ينبغي الشروع في تحويلها لحقيقة منذ بداية الفترة الانتقالية:
- بسبب البترول ارتفع الناتج المحلي الإجمالي السوداني حوالي تسعة أضعاف، فأين ذهبت تلك الأموال؟ لأن الإجابة ربما ستكون فيها دروس لحل الأزمة الاقتصادية الحالية ومستقبل التنمية الاقتصادية في البلاد.
- إعادة النظر في توزيع موارد الميزانية بما يتيح رفع نسبة الإنفاق التنموي وإعادة نفقات القوات المسلحة والنفقات على الأجهزة الأمنية والسيادية إلى نسبة طبيعية من نفقات الدولة، حيث أنها الآن تفوق ثلاثة أرباع النفقات.
- توفير إسعافات عاجلة لأهالي مناطق النزاعات ومعسكرات النازحين، وهذه مبادرة لها أولوية كبيرة في رأب صدع البلاد.
- عودة مجانية الرعاية الصحية بدرجة أو بأخرى في المستشفيات والمرافق الحكومية، خاصة في الأقاليم ومناطق النزاعات.
- استنفار المساهمات، المالية والمهنية، من السودانيين العاملين بالخارج، وحثّ الكثيرين منهم على التأهب للعودة والمشاركة في عملية البناء (خاصة أولئك الذين وقّعوا على "التزام البناء والخدمة").
ثانيا: برنامج المدى المتوسط (طول سنوات الفترة الانتقالية)
من الناحية الاقتصادية، على المدى المتوسط، ينبغي للفترة الانتقالية أن تركّز على هدفين: القطاع الإنتاجي (الزراعي والصناعي والطاقة) والقوة الشرائية (والتي تتمثّل في مستويات الأجور فوق خط الفقر وتوفّر السلع المنتجة محليّا)، ففيهما المعالجة الأكبر للاقتصاد السوداني وفتح طريق التنمية الطويل والطَّموح. نعلم من الواقع أن الإنتاج الزراعي في السودان يمكن أن يزيد كثيرا إذا وجد الاستثمار الوافي والعمل المنضبط، وذلك الإنتاج قادر على توفير فرص عمل كبيرة للسودانيين، بكافة مستويات مؤهلاتهم وخبراتهم، لأنه يوسّع قطاعا إنتاجيا كاملا، توسعة كبيرة، وليس مِهَنا محدودة فقط؛ وكذلك يقال عن الصناعات الخفيفة والصناعات التحويلية (مثل الغذائية والمنسوجات، إلخ). وعن طريق توفير فرص عمل جيدة فإن ذلك يرفع القوة الشرائية للمواطنين العاملين في ذلك القطاع، ما يجعلهم يساهمون في إنعاش السوق المحلي عموما عن طريق الاستهلاك من نفس القطاع ومن قطاعات أخرى (كالقطاع الخدمي).
ومن ناحية التنمية البشرية، من الواضح أن الأولوية يجب ان تذهب لإصلاح الرعاية الصحية والتعليم، فبالإضافة لكونهما أساس أي نهضة اقتصادية عامة لأي بلد في العصر الحديث (والأدلة على ذلك متوفرة من حول العالم وتجارب البلدان التي تقدمت اقتصاديا بصورة كبيرة مؤخرا) فقد تعرّض هذان المجالان لتدهور كبير في ظل نظام الإنقاذ، الأمر الذي يتطلب مراجعة شاملة واهتماما خاصا. وضمن عملية إصلاح هذين المجالين تولي السلطات الانتقالية أولوية للمرأة السودانية ولمواطني مناطق السودان التي تعرّضت لأسوأ صنوف الظلم والتهميش التنموي والثقافي في العقود الأخيرة.
ومن ناحية الاقتصاد السياسي تتمثل أولويات الفترة الانتقالية أولا في إعادة توزيع السلطة والثروة، وفق مبادئ العدالة والمشاركة في موارد الوطن، وثانيا في مراجعة العلاقات مع دول الجوار من ناحية أشكال التبادل والتعاون الاقتصادي. بالنسبة لأولاً فقد بات من الواضح أن أحد أكبر أسباب ضياع الاستقرار السياسي والاقتصادي في السودان، منذ الاستقلال وحتى اليوم، هو الظلم الفادح والمركّب في توزيع السلطة والثروة في البلاد وفق امتيازات تتعارض مع مبادئ المواطنة المتساوية والحكم اللامركزي. وبالنسبة لثانيا فالسودان بحاجة لأن تتفهم دول الجوار أن الطغمة التي تولّت حكم السودان خلال العقود الثلاثة الماضية كانت تعمل ضد مصلحة السودان وشعبه، ومن أجل مصالحها الضيقة، داخل السودان وفي علاقاته الخارجية، وأن ذلك المنوال لا بد وأن يتوقف بعد إخراج تلك الطغمة من السلطة أخيرا.
حزمة السياسات متوسطة المدى:
- ضرورة مراجعة المنهج التعليمي كاملا، وتغييره في أقرب فرصة (تدريجيا أو حسب القدرة).
- إصلاح الأراضي والتوزيع العادل لها، وتوطين الأعمال الإنتاجية والخدمية في الأقاليم .
- رفع أجور جميع العاملين في القطاع العام إلى فوق خط الفقر بأسرع فرصة، لرفع القوة الشرائية والإبقاء على القوة الإنتاجية المحلية من الهجرة.
- ترسيخ قانون للتعاونيات، الإنتاجية والاستهلاكية والمزيج، يختلف عن قانون الأعمال الخاصة وقانون القطاع العام. التعاونيات لها دور كبير في تغيير شكل الاقتصاد وجعله أكثر عدالة وتنوّعا صحيّا، وهي ذات رصيد كبير في الإنتاج الزراعي في البلدان النامية. التعاونيات ستكون محرّكا إنتاجيا كبيرا للعهد الجديد في السودان، وينبغي أن تحظى بترتيبات قانونية وسياسات خاصة بها وليست فقط مضمنة ضمن قوانين الأعمال الخاصة أو القطاع العام.
- تقوية النقابات والجمعيات الحرفية، عبر القانون وعبر رفع القدرات.
- إنشاء صندوق سيادي، بمساهمات السودانيين العاملين بالخارج وجميع أصدقاء السودان. الصندوق السيادي هذا يمكنه أن يستفيد من تجربة رواندا في إنشاء صندوق ممثال (وهي طريقة غير مألوفة في الصناديق السيادية عادة، لكنها أثبتت جدواها في التجربة الرواندية). الصندوق السيادي يصبح آلية استثمار محلي موجّه نحو أولويات التنمية في السودان وبإراداته المحلية (لتقليل الاعتماد على إعانات واستثمارات خارجية تأتي بشروطها الخاصة؛ رغم أن السودان قد يحتاج لاستعمال بعض هذه أيضا ولكن بحذر مدروس).
- تأسيس برامج إشراك الطلبة في أشغال التنمية، بأجور معقولة (لكن أقل من الخريجين، بحيث تكون مثل التدريب لهم والمضمن في المنهج التعليمي)، بحيث تصبح المشاركة في أشغال التنمية هي "الخدمة الوطنية الإلزامية" الجديدة؛ مع الفرق طبعا في طريقة المعاملة والإجراءات والتسهيلات.
- التعاون مع جنوب السودان لجعل الإنتاج البترولي مصدر ثروة وتعاون وإعادة ثقة متبادلة للبلدين. كذلك إنشاء آلية لاستيضاح العائدات من البترول والتأكد من أنها تذهب لميزانية الدولة للصرف على الأولويات التنموية للبلاد.
- ابتدار شركات حكومية - أو شبه التابعة للدولة (parastatals) - قوية للإنتاج الزراعي وللتعدين والطاقة، وتوجيه استثمار كافي لها (من داخل السودان وخارجه، مع الاحتفاظ بالأغلبية والفيتو للسلطات السودانية). ترعى تلك الشركات الحكومية عملية زيادة الإنتاج كميّا ونوعيا، وتعمل كمؤسسات مستقلة لكن لديها تسهيلات أكبر وعلاقة مباشرة مع الدولة وميزانيتها وقنواتها اللوجستية، بحيث تكون أدوات استراتيجية لرفع اقتصاد البلاد في القطاعات الاستراتيجية ومحاور الأمن الغذائي. كذلك تعمل هذه الشركات على إعادة توزيع الثروة، بحيث تخصص نسبة عالية من مخرجاتها للولايات والأقاليم التي تعمل بها. وللشركات الحكومية الإنتاجية دور كبير في تاريخ البلدان النامية في عمليات رفع القطاعات الإنتاجية.
ثالثا: ترتيبات عامة لإدارة التنمية المستدامة والاقتصاد الحيوي في السودان
بالإضافات للصورة المبذولة أعلاه، لبرنامج المدى القصير والمدى المتوسط، سوف تكون هنالك موجّهات عامة للبرنامج الإسعافي في الفترة الانتقالية، مبنيّة على دراسة التاريخ والتعلم من الواقع:
1. ضرورة ضبط قوانين العمل لحماية حقوق العمال في القطاعين العام والخاص، ووضع قوانين عمل راسخة (مثل تفعيل حقوق التنظيم النقابي وأن يضع المهنيون معاييرهم للسلامة والإنتاج في مجالهم، وتفعيل نظام ضرائب صارم) وحماية النقابات بقوة القانون، ورفع قدراتها وتمثيلها لقواها في القرار العام والحياة العامة. وكذلك التصديق على المعاهدات والمواثيق الدولية بخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق العمّال. هذه الثورة مضت بتنسيق فاعل من المهنيين، وفي مرحلة البناء (في الفترة الانتقالية وما بعدها) سيكون مهنيّو السودان – إناثهم وذكورهم - عضد التنمية وصناعة الرفاه، فلا أقل من أن تعينهم قوانين الدولة وسياساتها على خلق بيئة عمل مناسبة لهم ومستوفية لمطالبهم المشروعة.
2. أهمية استخدام الخبراء الفنيين والتكنوقراط في عملية التخطيط والتنفيذ لسياسات التنمية وإصلاح الاقتصاد والخدمات العامة، وهيكل الدولة عموما. هنالك مسائل فنية، وسياسات مبنية على الدلائل المعرفية والبيانات المسبقة، لا يصلح السياسيون المعتادون للبتّ فيها، فهي خارج نطاق معرفتهم وخبرتهم. لذلك فإن تنظيم المحافل القومية الواسعة، التي يتداول فيها أهل الخبرة الحلول والخطط التنموية والاقتصادية الناجعة، ليست ضرورية فحسب، بل يجب أخذ خلاصاتها بجدية كاملة، وتضمينها في سياسات الدولة ومراقبة تنفيذ وتقييم تلك السياسات.
3. تسهيل خدمات تسجيل وتمويل الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم الفنّي واللوجستي لها، حسب قطاعها الاستراتيجي. الأعمال الصغيرة والمتوسطة مهمة جدا في الظروف المعاصرة لأمرين: المساهمة في إنتاج الفائض الاقتصادي الكافي وتوفير فرص العمل لنسبة عالية من العمالة الماهرة، (والذين بدورهما يرفعان مستوى القوة الشرائية لأي مجتمع، ما يعود إيجابيا على حركة الاقتصاد المحلي ككل). أما بخصوص الأعمال الخاصة الكبيرة، أو الشركات الكبيرة، فهذه ينبغي التعامل معها بمرونة وحكمة، حالة بحالة، حسب مساهماتها المحسوبة في أولويات التنمية وحسب ظروف الواقع الإنتاجي ومتطلبات المستهلكين، مع ضمانات ثابتة للقوى العاملة بها. ذلك بالإضافة إلى أن القطاع الخاص عموما يستفيد بوضوح من استثمار الدولة العام في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية، والتي هي أولويات أي مشروع تنموي جاد في البلدان النامية، لذلك ينبغي على القطاع الخاص المساهمة في خلق فرص العمل وفي دفع الضرائب المستحقة.
4. تدقيق نظام الضرائب، لأنها مصدر عائدات أساسي لأي دولة تخوض رحلة تنمية مستدامة. على الضرائب أن تكون وافية لكي تقوم الدولة بواجباتها في توفير الخدمات والنفقات الاستراتيجية، لكن عليها كذلك أن تكون مدروسة بحيث لا تكون ثقيلة بما يثبط الإنتاجية، وريادة الأعمال وتوسيعها،ما قد يؤدي لتقليل حوافز الإنتاج وتحجيم القوة الشرائية.
5. السوق مجال مهم من مجالات الرفد الاقتصادي، لكن لا ينبغي له أن يتولى دفة قيادة الاقتصاد، بل ينبغي توجيهه وفق سياسات مدروسة وتتوخى مصلحة المجتمع. وتوجيه السوق وفق سياسات يظهر عموما في تحديد صور التجارة المناسبة للبضائع المناسبة، والتدخّل في أسعار السلع الاستراتيجية، وضبط معايير الجودة والاتفاقات التجارية، وضبط شروط ملكية وبيع وإيجار الأراضي والموارد الطبيعية، وضبط قوانين العمل والعُملة، إلخ. كل ذلك سيشكّل تحدّيا كبيرا خصوصا وأن الاقتصاد غير الرسمي كبير جدا في السودان ويحتاج استراتيجيات ذكية لتضمينه في الاقتصاد الرسمي.
6. يحق للسودان، ووفق حقيقة أنه كان تحت سلطة غير شرعية لمدة ثلاثة عقود، أن يطالب بإعفاء الديون الكثيرة التي تراكمت على كاهل البلاد قبل وأثناء تلك الفترة، إعفاء كاملا أو على الأقل جزئيا (لكن بنسبة كبيرة)، لا سيما وأن جزءا كبيرا جدا من كتلة الديون تراكمت عن خدمات الديون التي لم تُدفَع وليس عن المبالغ الأصل التي تم اقتراضها. مثل هذه الديون لا تشكّل سوى عائق أمام مشوار التنمية ومن الواضح أن السودان لم يستفد من جلّها. يمكن للسودان أن يشارك بنشاط في التيار الدولي المطالِب بإعفاء البلدان النامية من كل أو جلّ الديون الحالية.
أخيرا، نكرر إن بلدا كالسودان يحتاج أولا لأن يضمن إنتاج فائض اقتصادي مناسب ومستمر يتيح له إعادة الاستثمار في مشاريع التنمية لإعلاء القدرات الاقتصادية والصناعية بما يضمن استدامة التنمية، برفع مستوى معيشة جميع قاطنيه والاستغناء عن القروض الجائرة أو الإعانات المشروطة؛ رغم أننا قد نضطر للاقتراض والتعامل مع الاستثمار الأجنبي بحذر (وهنالك نماذج معقولة للاستفادة المدروسة من هذه الفرص في سبيل الاستغناء عنها لاحقا). كما أن من مصلحة السودان تبنّي دبلوماسية تنموية تسعى لخلق علاقات صداقة وتعاون ندّي واحترام متبادل مع جميع القوى الاقتصادية والجيوسياسية من حولنا، من أجل مصالحنا المشتركة.
قوى إعلان الحرية والتغيير

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سودارس ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سودارس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

0 تعليق