في حالة الدعم المباشر الموجه للفقراء, رغم ان الغني والفقير يدفعان سعر السوق إلا ان الحكومة تقوم بمساعدة ذوي الدخل المتدني عن طريق التحويلات المباشرة, أي بصرف مبالغ نقدية لهم من ديوان الزكاة أو وزارة الشئون الاجتماعية أو ما شابه هذه الهيئات . أحد وسائل الدعم الموجه الاخري هو اصدار كروت تموين للفقراء تمكنهم من شراء سلع من مراكز بيع مخصصة بأسعار مدعومة , ولكن ربما كان هذا النوع من الدعم مستبعد تبنيه علي مستوي واسع في السودان لاسباب عديدة . الخيار المتبقي هو ان تصرف الحكومة للفقراء مبلغا محددا من الدعم المالي كل الشهر.
فكرة الدعم الموجه والمباشر هذه كارثية في السياق السوداني لأسباب متعددة , منها :
- الحكومة شبه المفلسة سوف لن تهتم بان يصرف الفقراء مستحقاتهم الشهرية لأنها سوف تفسر هذه المبالغ علي أساس انها هبة وليست حقا اصيلا , لذلك سوف يسود التنصل والتسويف والتأخير خصوصا ان المعارضة السياسية للتراجع الحكومي سوف تكون ضعيفة نتيجة لانقسام صف الشعب الِي متلقي دعم وغير متلقين .
- الغالبية العظمي من الشعب السوداني دخلت في عداد الفقراء مستحقي الدعم, لذلك فان التكلفة الإدارية والمعلوماتية لتحديد مستحقي الدعم ومدهم به سوف تكون مرتفعة للغاية الشيء الذي ايضا يفتح ابوابا واسعة للتلاعب والفساد من قبل الأفراد وموظفي الحكومة. لك ان تتخيل المتطلبات الادارية لتأسيس مكتب في كل قرية ومدينة سودانية مهمته استقبال طلبات الدعم , وفحص المعلومات المرفقة , والتأكد من صحتها, تلك المعلومات التي تشمل عدد أفراد الأسرة . ومجموع دخلها من كل المصادر, سواء ان كانت تلك المصادر مرتبات, أو اجور , أو ايجارات , ام ارباح زراعة أو تجارة , أو تحويلات ابناء أو اقرباء في الخارج, ثم بعد التأكد من صحة هذا الكم من المعلومات تحديد مبلغ الدعم, سواء ان كان ماليا ام في شكل بطاقة تموين مدعوم. وايضا علي هذه المكاتب الادارية تحديث قاعدة البيانات بصورة دورية لتعديل مستوي الدعم في حال تغير الدخل أو تغير عدد افراد الأسرة وما شابه ذلك من العوامل التي تدخل في المعادلة.
- التكلفة الاجتماعية والنفسية للدعم المباشر باهظة . فعلي من يريد الحصول علي الدعم ان يعلن عن فقره وان يقوم باحضار كل الاوراق التي يثبت فيها فقره لبيروقراطية الدولة وفي هذا وصمة فيها من الاهانة لكرامته/ا الانسانية بما يكفي لدمار نفسي ممكن تفاديه بسياسة دعم اكثر بساطة وانسانية واقل تكلفة ماليا واجتماعيا .
- ينتج عن الدعم المباشر ابارتايد طبقي علي المستوي الرسمي, مدعوم باوراق حكومية الشيء الذي يعمق من الانقسامات الاجتماعية والوجدانية و في ذلك طريق الِي تجريف الترابط والتماسك والتضامن الانساني الذي حافظ علي تماسك المجتمع الذي استمر صامدا رغم عقود سوء الحكم الذي قاد الِي انهيار الاقتصاد.
أما الحديث عن ان الأغنياء يستفيدون من الدعم بغير استحقاق وهذا ليس من العدل في شيء فهذه كلمة حق اريد بها باطل. فمن الممكن دعم المحروقات للجميع بصورة تتيح لأهل الدخل المحدود تحمل تكلفة المواصلات العامة , أما الأغنياء من اصحاب السيارات فمن الممكن ان يعوضوا المجتمع عن الدعم الذي يتلقونه بفرض ضريبة اضافية عليهم يدفعونها مع تجديد رخص سياراتهم السنوي . كذلك من الممكن الحفاظ علي دعم القمح وفرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة علي اصحاب الدخول المرتفعة تعوض عن نصيبهم من الاستهلاك المدعوم.
الضرائب الموجهة لذوي الدخل المرتفع أجدي اجتماعيا وانسانيا و واقل تكلفة من الناحية الادارية بما لا يقاس مقارنة بتوجيه الدعم الي الفقراء الذي تتحدث عنه الحكومة بمزيج من الخبث والجهل في ما يختص بالحوكمة وادارة الاقتصاد. فمن السهل فرض الضرائب الاضافية علي الدخول المرتفعة, والثروات , والعقارات الفاخرة. كما انه ايضا من السهل اخضاع السلع والخدمات الفاخرة التي يستهلكها الاثرياء حصريا الِي جمارك وضرائب اعلي. هذا البديل أجدي لانه اقل تكلفة واسهل ادارة كما انه يحافظ علي الوحدة الاجتماعية ويصون كرامة المواطن الذي يتلقي الدعم ولا يشعره بان عوزه وصمة معلنة وموثقة باوراق رسمية مختومة.
ختاما فان هذا المقال لا يدعو الِي فرض أي جبايات جديدة علي أي طبقة غير انه يهدف الِي تفنيد حجة الحكومة بان الدعم يذهب الِي من لا يستحق من ذوي الدخول المرتفعة. اما عن الاصلاح الضريبي واستحداث ضرائب جديدة أو رفع نسب الموجود منها , فهذه قضايا اخري من الممكن تناولها في سانحة اخري.
معتصم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سودارس ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سودارس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق