اخبار الإقتصاد السوداني - مشكلة الميناء الجنوبي .. بقلم: إسماعيل عبدالله

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة
مصيبة أخرى من مصائب حكومة معتز , وعجيبة جديدة من عجائبها التي لا تنقضي , مدير الهيئة العامة للموانيء يقول بأن دخل هذا المرفق العام والحيوي , يعادل ما قيمته ثلاثة عشر مليون يورو أو يزيد سنوياً , و رئيس الوزراء لا يقر إلا بأقل من واحد مليون يورو في السنة الواحدة , بحسب ما جاء في إعلام التواصل الاجتماعي , فالفرق بين القيمتين كبير جداً , ولا يوجد تفسير لهذا البون الشاسع بين الرقمين , سوى أن رماد الفوضى المالية والإدارية قد أعمى البصائر , فأصابت الضمائر غشاوة وعتمة صادة ومانعة , و أن الفساد بكل مسمياته قد أصبح مؤسسة في حد ذاته , بحيث أنه استطاع حجب المعلومة عن رأس الجهاز التنفيذي , فمن المؤكد أن قرار تأجير الميناء الجنوبي قد بني على بيانات وبينات زائفة , أو قصد تزييفها , وحينما يصاب الهيكل الاداري للحكومة بالشلل والترهل , تصبح محصلة جميع قرارات و توجيهات مجلس الوزراء صفراً كبيراً , فما كان لمعتز موسى أن تأخذه العزة بالإثم عندما صدمه مدير الموانيء تلك الصدمة المباغتة , التي تفوق في قوتها ودرجة ارتطامها قوة صدمته العلاجية المزعومة التي بشر بها الناس قبل عام , فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها اتبعها , ومن بين هذه الحكم هنالك بديهة من بديهات العمل التنفيذي , وهي وجوب إيقاف اجراءات التسليم و التسلم مع الشركة الفلبينية , بمجرد ظهور طاريء يؤكد غياب معلومة جوهرية عن محضر اجتماع اتخاذ قرار تأجير الميناء لهذه الشركة الأجنبية , فمثل هذه المعلومة الجديدة التي أدلى بها مدير هيئة الموانيء , والمؤكدة على جدوى استمرار إدارة الحكومة السودانية للميناء , والنافية نفياً قاطعاً لعجز إدارة الميناء عن الوفاء باستحقاقاتها تجاه نفسها (موظفيها وعمالها) والحكومة معاً , كان من الواجب أن يكون كشف هذه الحقيقة المتستر عليها من قبل اصحاب المصلحة , من سماسرة و وسطاء جشعين همهم الأول و الأخير منفعتهم الشخصية , بمثابة السبب المقنع لحكومة معتز للوقوف و التحري , وكان مما يمليه الواجب الوطني على قائد طاقم رئاسة الوزراء ايضاً , أن تكون تلك المفاجأة الحميدة التي قدمها مدير الموانيء خير دافع و محفز له , لأن يقوم بعمليات مراجعة شاملة ومباشرة من مكتبه , تلحق جميع المؤسسات الوطنية و المرافق الحكومية الاستراتيجية المنتشرة في ربوع الوطن , ليتم الكشف عن المزيد من نوعية مثل هذا الخلل الاداري , المؤكد والمتوقع وجوده في العديد من المؤسسات و الهيئات الحكومية , وكان من الأوجب كذلك ترقية مدير هيئة الموانيء وتكريمه والاحتفاء به , فهو الذي أزاح الستار عن هذه الأرقام الصادمة , لكن قولوا لي بربكم , كيف لمنظومة حكم يعتبر الاستبداد طابعها الأول , وما فتيء الفساد ينخر في دواوينها لثلاثة عقود متتالية , كيف لها أن تسطيع إصلاح و اجتثاث سرطان الفساد المالي و الإدراي؟ الراصد للطريقة التي تتبعها الحكومة في حل أزماتها الاقتصادية , والتي في مقدمتها ندرة النقد الأجنبي , تتبادر إلى ذهنه صورة رب الأسرة الذي يقوم ببيع أصوله الثابتة من عقارات و وسائل نقل وغير ذلك , حتى يتمكن من الوفاء بسداد التزاماته المالية تجاه اسرته الصغيرة , دون أن يسعى إلى إيجاد حل جذري لمشكلته الاقتصادية , كانشاء مشروع انتاجي واستثماري خاص به , ذو دخل مستدام يغطي بنود نفقاته اليومية و مصروفاته الشهرية و السنوية , هذا هو حال حكومات دويلة الانقاذ ابتداءً من أول حكومة عسكرية أدارها مجلس قيادة الثورة , وانتهاءً بمجلس وزراء معتز (صدمة) الذي لم تتوقف صدماته ولكماته المصوبة نحو الجسد الهزيل للمواطن السوداني , فشعار ثوار ديسمبر الذي عنوانه إسقاط النظام ولا شيء سوى إسقاطه , خرج من رحم شعب يئس من رئيسه عمر , وأصابه القنوط من تغريدات رئيس مجلس وزرائه معتز موسى , وكفر كفراً بواحاً بكل شخص يحمل لقب (كوز) , (إنقاذي) و (إسلامي) , فاذا لم يستعجل ثوار ديسمبر في سباقهم المقدس نحو التحرر عبر مشروع إسقاط النظام , سوف يقوم النظام الراهن ببيع كل المؤسسات و الدوائر و المصالح الحكومية للأجنبي , و سيؤجر أراضي البلاد للمستثمرين القادمين من بلدان ما وراء البحار , فحالة الإفلاس المالي و الاخلاقي التي ضربت منظومة الانقاذ السياسية , لا يرجى منها حلول حقيقية تلامس أصول وجذور المعضلة السياسية و الاقتصادية , ولن تخلّص الناس من جحيم الوضع المعيشي البئيس , فمن لا يلقي بالاً للمصير المجهول الذي ينتظر هذا العدد الكبير من العمال والموظفين , بعد استكمال اجراءات تسليم ادارته للشركة الفلبينية , هؤلاء العمال والموظفون الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن الحبيب بهذا الميناء البحري , مثل هذا الشخص ليس جديراً بأن يبقى في سدة الحكم , حتى لا يمنح الطامعين مزيد من فرص المزادات السرية المستهدفة لبيع و رهن وتأجير المؤسسات والشركات الوطنية.
إنّ العقلية التي أشرفت على إدارة دولاب الدولة السودانية طوال الثلاثين عام الماضية , لا تعني لها كلمة (وطن) سوى تصور هلامي وخيالي لمزرعة نائية مجهولة ومهملة ما لها من راع , وإلا, فتدمير الصروح الوطنية التي كانت قائمة من قبل , مثل الخطوط الجوية السودانية و هيئتي النقل النهري و الميكانيكي ومعهما مشروع الجزيرة , لا يمكن أن يتم في حضور رجل دولة قلبه نابض بحب التراب فعلاً لا قولاً , فما نسوقه هنا من مطالبات لرجل الدولة بأن يتمتع بعشق الأرض , و أن يتعلق قلبه بتضاريس الوطن من سهول وهضاب , ليس رومانسية سياسية ولا خيال ساذج ولا حتى استجداء للمستحيل , لأن معظم اخواننا في الجوارين الإقليميين العربي والإفريقي قد نهضوا من ذلك السبات العظيم , الذي و للأسف ما زلنا نرفل تحت غطاء وساداته الناعمة والسميكة الدافئة , فأولئك الجيران قاموا بأضاءة الشموع ثم لعنوا الظلام , فاستطاعوا أن يحققوا قدراً كبيراً من مطامح شعوبهم , التي كان سقفها الأدنى الخبز والعيش و الوقود و الدواء و الكساء والإيواء , فالاصطبار على نظام استمرأ جزر لحمة الوطن , واعتاد على بيعها كومة بعد أخرى في مزادات أسواق التجارة غير النزيهة , لا يأتي مثل هذا الصبر والاصطبار و ذلك الركون إلا من شعب عديم الهمة لا يستحق أن يعفر وجهه بتراب الأرض.
ويظل السؤال المكرور و المعهود يطل برأسه في توقيت هذه المناسبة الحزينة , وهو: متى نغزو العالم بمنتجاتنا الغذائية ؟ إذ ماتزال بلادنا تحمل وسم وديباجة (سلة غذاء العالم) , فمتى تمتليء خزينة البلاد الإتحادية بالفوائض من عائدات المعادن النفيسة و اللحوم الكثيفة و الجلود؟ , وكيف ندرب أجيالنا الحاضرة على مهارات استخدام السنارة ونلقنهم فنون اصطياد الكائنات البحرية , لكي نخرج من مأزق جيل ما بعد الاستقلال , ذلك ألجيل الذي باع السنارة برمتها , و تركنا لاهثين وراء مواعين جيراننا الطافحة والناضحة بما طاب من شهي الأسماك.
إسماعيل عبد الله
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سودارس ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سودارس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

0 تعليق