منعت قوات النظام المزارعين في مدينة جاسم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية المنتشرة غرب المدينة، بعد أن ثبتت نقاطًا عسكرية جديدة لها في محيطها، تمهيدًا لحملة أمنية على المدينة، بحجة تواجد خلايا من تنظيم “الدولة الإسلامية” فيها.
سبقها تحركات مماثلة في محيط مدينة طفس، بين تموز وآب الماضيين، تخللتها اشتباكات بين مقاتلي المدينة وقوات النظام التي طالبت بخروج مطلوبين لها من طفس بتهمة انتمائهم للتنظيم.
التحركات العسكرية بطفس، انتهت بانسحاب قوات النظام من محيطها، بعد عمليات قصف خلفت قتلى وجرحى خلال الحملة، وانسحاب مطلوبي النظام منها.
قيادي سابق في فصائل المعارضة من أبناء جاسم، تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن هدف النظام هو حصار مدينة جاسم بحجة وجود خلايا لتنظيم “الدولة” فيها، أي أن سيناريو طفس من المحتمل أن يتكرر في جاسم.
وأشار إلى أن منطقة اتهامات النظام بوجود خلايا للتنظيم في جاسم معدومة، إذ ستقبل الجهات الممثلة لمدينة جاسم بخروج هذه الخلايا في حال تمكن النظام من إثبات وجودهم فعلًا.
“مسمار جحا”
مع أن العديد من هذه الاتهامات بوجود هذه الخلايا “لا أساس لها من الصحة”، بحسب وجهاء من درعا، لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن نفي وجود هذه الخلايا كما هو الحال مع القياديين في التنظيم ”أبو عمر جبابي”، و”أبو سالم العراقي” اللذين قُتلا في تموز الماضي بريف درعا الغربي.
العميد المتقاعد أسعد عوض الزعبي، (ينحدر من محافظة درعا)، قال لعنب بلدي إن سيناريو درعا المتعلق بخلايا التنظيم لا يختلف بشكل كبير عن نشره لعناصر مخابراته شرقي السويداء على أنهم خلايا من التنظيم ليرهب فيهم المحافظة.
في حين قدمت حجّة التنظيم “خدمات جلية للنظام”، دفعته للتمسك بها واستخدامها لاحقًا حتى كذريعة لأعمال العنف أمام مجلس الأمن الدولي.
الخبير العسكري لم يرجح أن يكون التنظيم منتشرًا بأعداد كبيرة في كامل محافظتي درعا والقنيطرة، نظرًا للعمليات التي يُعلن عنها ويتبناها، وغالبًا ما تكون هذه العمليات ذات فاعلية طفيفة، وفي أكثر أحوال نشاطها قد تتكرر مرتين خلال شهر.
وسبق أن نشرت شبكة “درعا 24” المحلية، تسجيلًا لمحادثة هاتفية في آذار 2021 بين القيادي “أبو عمر الشاغوري” (المُتهم بتبعيته للتنظيم، وأحد مطلوبي النظام)، مع القيادي في “الفرقة الرابعة” العميد غيث دلة، تظهر حجم التنسيق بين النظام وخلايا التنظيم في الجنوب السوري.
وأشار “الشاغوري”، بحسب التسجيلات، بأنّ هناك عهدًا بينه وبين العميد غياث دلة، يقضي بإبعاد أي خطر عنه، مستنكرًا أن يُطلب ترحيله باتجاه الشمال مع الأسماء المطروحة للترحيل.
واعتبر أنّ هدفه مُشترك مع ضباط “اللجنة الأمنية” و”الفرقة الرابعة”.

وحدات عسكرية من قوات النظام داخل بلدة الجيزة شرقي درعا خلال تطبيق اتفاق “التسوية”- 17 من تشرين الثاني 2021 (سانا)
موقف الأهالي من التنظيم
في 9 من آب الحالي، قتل “أبو سالم العراقي”، أحد أمراء تنظيم “الدولة الإسلامية” في الجنوب السوري، بعد وقوعه في كمين لمقاتلين محليين في درعا.
وأفاد مراسل عنب بلدي في درعا حينها، أن مجموعات محلية من مقاتلين سابقين بفصائل المعارضة حاصرت “العراقي” في أحد منازل بلدة عدوان بريف درعا الغربي.
ورغم أن النظام أعلن عبر وسائل إعلامه عن أن قواته الأمنية تمكنت من قتل أمير التنظيم، قال مقاتلون محليون ممن شاركوا بالعملية، إن النظام لم يكن له أي وجود على صعيد الجيش أو القوات الأمنية.
تبع ذلك في 15 من الشهر نفسه، عثور مزارعين بمحيط مدينة طفس على جثة تعود للقيادي في تنظيم “الدولة” محمود الحلاق، الملقب بـ”أبو عمر جبابي”، وعليها آثار إطلاق نار غربي محافظة درعا.
تزامن ذلك مع تسجيل مصوّر تداولته شبكات محلية، يظهر فيه الحلاق متحدثًا عن ضلوعه بعملية اغتيال عضو “اللجنة المركزية” “أبو البراء الجلم”، في أيلول 2020، بمدينة جاسم غربي المحافظة.
وقال الحلاق، إن القياديين في التنظيم “أبو الليث العزيزي” و”أبو عبد الرحمن العراقي”، عرضا على “الجلم” مبايعة التنظيم، إلا أنه رفض، ما دفعهم إلى قتله.
وذكر خلال حديثه عبر التسجيل، تفاصيل عمليات استهداف بغرض السرقة لأحد تجار المجوهرات في مدينة داعل، إضافة إلى عملية سطو أخرى أدت إلى مقتل تاجر وابنه في بلدة الغارية الشرقية، شمالي المحافظة.

حاجز “مساكن جلين” في ريف درعا الغربي خلال سيطرة تنظيم الدولة على المنطقة – 3 من نيسان 2016 (حركة أحرار الشام).
قدرة النظام على محاربة التنظيم
بعد نجاح عمليات نفذها مقاتلين محليين في استهداف قياديين في تنظيم “الدولة”، ظهر مدى عجز النظام عن التعامل مع هذه الخلايا، إذ يتحدث عنها النظام منذ سيطرته على درعا عام 2018، ما يطرح سؤالًا حول قدرته الفعلية، على المدى البعيد، في التعامل مع هذه الخلايا المتغلغة في سوريا.
الباحث المختص بالحركات الجهادية عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن الخلايا الاستخباراتية أو أي أجهزة حكومية، تعتبر قدرتها على العمل في المناطق الحضرية والمدينة أعلى بكثير مما هي عليه في الأرياف.
ويعود ذلك إلى كون جغرافيا المدن تضم أعلى كثافة سكانية، وموضوع الأجهزة الاستخباراتية هو البشر، وبالتالي فإن إمكاناتها تضعف كلما قلت الكثافة السكانية واتسعت الرقعة الجغرافية التي يسكنها الناس، كمنطقة البادية على سبيل المثال.
ولتعويض نقص الكثافة السكانية، تحتاج الجهات الاستخباراتية لـ”تكنولوجيا أكبر وأعقد” من تلك المستخدمة في المدن، وهي تكنولوجيا الطائرات الاستطلاعية والمراقبة عبر الأقمار الصناعية والرادارات وأجهزة الاتصال المتقدمة، وهو ما لا يملكه النظام بشكل فعلي.
في حين لا تزال هذه الخلايا تعتمد في الغالب على طرق باتت قديمة بعض الشي، ما يصعّب رصدها والتعرف عليها، كما يمنح عناصر التنظيم قدرة أكبر على الحركة والتخفي، وصنع الكمائن.
وتعتبر منطقة البادية السورية الممتدة من محافظة السويداء جنوبي سوريا على الشريط الحدودي مع الأردن، وحتى محافظتي الرقة ودير الزور، شمال شرقي سوريا، من أكثر المناطق التي تشهد نشاطًا لخلايا النتظيم.
ومع أن طبيعة هذه المنطقة صحراوية بشكل تام، يصعب فيها بناء التحصينات أو أنفاق، لكن النظام حتى اليوم لم يتمكن من إضعاف هذه الخلايا، رغم عمليات أمنية وعسكرية متكررة شنها في المنطقة.

مقاتلان من تنظيم “الدولة” في منطقة البادية شرقي سوريا- نيسان 2022 (المعرف الرسمي للتنظيم)
كيف ظهر التنظيم في درعا؟
بدأ ظهور تنظيم “الدولة” في محافظة درعا نهاية عام 2014، بعد سيطرته على منطقة بئر القصب باتجاه منطقة حوش حماد، ورجم البقر، وبعض مناطق اللجاه.
فصائل المعارضة المسيطرة على المنطقة، حينذاك، وعلى رأسها “ألوية العمري”، أدركت خطر تمدد تنظيم الدولة في المنطقة، وبدأت بإطلاق حملات عسكرية ضده، ما خفف من الضغط العسكري على قوات النظام.
ومع مرور الوقت، لم يعد يقتصر وجود التنظيم في منطقة اللجاه فقط، إنما امتد إلى منطقة حوض اليرموك في نهاية 2014، حيث تدخلت “جبهة النصرة” (المبايعة لتنظيم القاعدة آنذاك) بحملات عسكرية استهدفت “لواء شهداء اليرموك”، المتهم بمبايعة للتنظيم في المنطقة.

عنصر من فصائل المعارضة خلال المعارك مع “جيش خالد” على محور غربي جلين – 20 من أيار 2018 (عنب بلدي)
وكان يسعى التنظيم حينها لربط منطقة اللجاه المتصلة بالبادية السورية بحوض اليرموك، لتأمين خط إمداد يريط درعا بمناطق نفوذ التنظيم شمال شرقي سوريا قبل عام 2017.
في عام 2016 شكلت حركة “المثنى الإسلامية” و”لواء جيش اليرموك” فصيلًا عسكريًا حمل اسم “جيش خالد بن الوليد”، اعتبر من كُبرى فصائل الجنوب السوري، وانتهى به الحال مبايعًا لتنظيم “الدولة”.
تبع ذلك، في 23 من آذار العام نفسه، تمدد التنظيم ليسيطر على كامل قرى حوض اليرموك حتى محيط مدينة طفس (غربي درعا)، ونقاط استراتيجية مثل “تل الجموع” (غربي درعا).
وأصبح التنظيم مطلًا على مدينة نوى (كبرى مدن ريف درعا وأكثرها كثافة سكانية)، حيث كان يعتبر مركزًا للمعارضة السورية، إذ تمركزت فيه إدارة “دار العدل” والمجالس المحلية، والعديد من الهيئات.
تصدت الفصائل للتمدد الجديد، ودارات عشرات المعارك دون تحقيق تقدم على حساب التنظيم فيها، واستمرت خارطة السيطرة على وضعها لأكثر من عام.
أين اختفى التنظيم؟
من المعلوم أنه وبعد إحكام سيطرة النظام على حوض اليرموك، وملاحقة عناصر وأمراء من “جيش خالد”، بقي مصير العديد منهم مجهولًا، إذ تحدثت حينها الوسائل الإعلامية السورية الرسمية وغير الرسمية عن اتفاق أُبرم مع عدد من قيادات وعناصر من داعش لإخراجهم إلى منطقة بادية السويداء.
وأشار تحقيق أعدته “شبكة درعا 24” المحلية عام 2019، إلى استمرار وجود خلايا من التنظيم في المنطقة الغربية من درعا، لكن عناصر تلك الخلايا يستقرون في مناطق لا ينتشر فيها الجيش النظام، وتنتشر فيها القوات الرديفة التابعة لـ”الفيلق الخامس” أو “الأمن العسكري”.
وذكرت “الشبكة” أنّ ضباطًا من “الفرع 215″، التابع لشعبة المخابرات العسكرية، اجتمعوا، بعد عام من سيطرة النظام على الجنوب السوري، مع مجموعة كانت تخلت عن العمل لصالح التنظيم، وانضم غالبية عناصرها لـ”الأمن العسكري”.
وخلال تلك الفترة الزمنية نشطت عمليات تهريب عناصر التنظيم من بادية السويداء لإعادتهم إلى محافظة درعا، بمساعدة ضباط من الأفرع الأمنية، خصوصًا بعد فرض النظام سيطرته على مساحات واسعة في بادية السويداء.

أحد عناصر الحسبة في “جيش خالد ابن الوليد” يحرق أجهزة إلكترونية بمدينة نوى لاعتبارها من “المنكرات”
سيطرة النظام على الجنوب
وفي حزيران 2018، تمكن النظام بغطاء جوي روسي ودعم بري إيراني، من السيطرة على أجزاء واسعة من محافظتي درعا والقنيطرة، وانتهى الحال بالمنطقة تحت سيطرة النظام السوري.
ويرى الباحث عبد الرحمن الحاج، أن التنظيم استنزف، إلى حد ما، قدرات فصائل المعارضة بدرعا حينها، على محاربة قوات النظام، لكنه لم يعتبره سببًا رئيسيًا في سيطرة النظام على الجنوب السوري في تموز 2018، إذ ساعدت في الأمر تفاهمات دولية امريكية وروسية واسرائيلية وأردنية، كان الهدف منها إبعاد ايران عن الحدود الأردنية والإسرائيلية بعمق 80 كيلومترًا، وخلق متنفس اقتصادي للأردن.
وفي آب 2018 تمكن النظام من حصر مناطق نفوذ التنظيم بمنطقة حوض اليرموك فقط، حيث دمير مقراته وسيطر على المنطقة بشكل كامل.
وعلى وقع الأعمال العسكرية، تمكنت قيادة التنظيم في الجنوب حينها، من التوصل لاتفاق مع النظام بخروج مقاتلي التنظيم إلى بادية السويداء، بعد انحسار نفوذه في بلدات الشجرة وكويا بقوافل.
وترك النظام السوري وادي اليرموك ثغرة استطاع مقاتلو التنظيم الهروب منها باتجاه الريف الغربي لمحافظة درعا، في حين تمكنت فصائل المعارضة من قتل عدد منهم، إلا أن بعض عناصر وقياديي التنظيم تمكنوا من البقاء في المنطقة بسبب انتمائهم إلى عشائر ذات تأثير في درعا.
وبقي آخرون منهم لدفعهم الأموال لبعض الجهات العسكرية، أو وجهاء مناطق في درعا مقابل تأمين الحماية لهم.

الدمار الذي خلفته العمليات العسكرية في محافظة درعا (AFP)
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عنب بلادي ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عنب بلادي ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق