الباحث والمفكر محمد زباره: ينسف خرافة الاصطفاء الالهي ويعتبرها افلاس!

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

المصدر: صحيفة الناس
الكاتب: حاوره: عبدالله السالمي
الباحث الإسلامي والمفكر اليمني الكبير الأستاذ محمد عبدالله زبارة، في هذا الحوار الهام مع صحيفة “الناس” والذي يعيد “نشوان نيوز” نشره، عن المذهب الزيدي وادعاءات بعض الأسر الهاشمية، والتي يعد الباحث زبارة أحد أبنائها الذين تفخر بهم ..وفيما يلي نص الحوار:

أردتُ أن أبدأ الحوار معه من إشكاليةٍ ضاربة الجذور في التاريخ والتراث الإسلاميين؛ وهي ‏إشكالية التمايز على أساس (النسب)؛ التي أعادتها إلى الواجهة ما أسماها الحوثيون ومن يرى ‏رأيهم بـ«الوثيقة الفكرية والثقافية».. غير أن الباحث في شئون الفكر الإسلامي الأستاذ محمد ‏عبدالله علي زبارة فضَّل مناقشتها، في هذا الحوار مع صحيفة الناس، في ضوء «قصة الاستخلاف» وانطلاقاً منها؛ باعتبار أن في ‏الوقوف على مُحَدِّدات استخلاف الله للإنسان في الأرض ما يكفي لبيان مدى الهُّوة السحيقة ‏بين مقومات الاستخلاف وبين السائرين على شعار «أنا خيرٌ منه»..‏

* في قصة الاستخلاف يتوقف زبارة أمام ثلاث مفردات رئيسية: الكبر والعلم والإيمان، ‏فيقول:‏
– جعل الله الاستخلاف في الأرض أساس وجود الإنسان.. وفي قصة الاستخلاف التي أوردها ‏سبحانه في كتابه الكريم تأصيل لشروط الاستخلاف، إذ أن أول ما بدأت به قصة الاستخلاف ‏من الشروط المرجعية لصلاحية الاستخلاف في الأرض والتعامل معها هو إخراج الكِبْر، ‏والكبر هو وجهة نظر إبليس المتمثلة في علو النار على الطين، فكان استبعاد صفة الكبر هي ‏الجانب الأساسي في عملية الاستخلاف. ثم بعد الحوار مع إبليس واستبعاده بسبب ما هو عليه ‏من تكبر، يجيء الحوار بين الله تعالى والملائكة ليكشف شيئاً آخر، فقد رأت الملائكة أن ‏الإيمان وعدم الوقوع في الخطأ هي المؤهل للاستخلاف في الأرض، وذلك في قولها: «أتجعل ‏فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك..».. غير أن الرد الإلهي أوضح لنا ‏لماذا يريد الله تعالى أن يختار الإنسان، فقال سبحانه: «إني أعلم ما لا تعلمون»، إنه يعلم أن ‏الإيمان لا يصح أن يكون شرطا للاستخلاف..‏

مؤهِّلات الاستخلاف
* سألته أن يختصر لنا ما يحيل إليه مفهوم (الاستخلاف) من دلالة، أو ما يفهمه هو ‏منه.. فأجاب:‏
– نفهم الاستخلاف على أنه تفويض إلهي من الله سبحانه وتعالى للإنسان ليتعامل مع هذا الكون، ‏ولكي يتعامل الإنسان مع هذا الكون لا بد له من تأهيل، فالتأهيل شرط للاستخلاف، والتأهيل ‏هنا أن الله سبحانه علّم آدم الأسماء كلها، وأنا أفهم الأسماء بأنها تعني القدرة على التسمية ‏للأشياء، سواء ابتكاراً أو اختراعاً أو اكتشافاً لما حولك.. عندما تستطيع أن تسمي هذه الأشياء ‏تستطيع أن تتعامل معها، فعندما استطعنا أن نسمي الجاذبية الأرضية استطعنا بعد ذلك أن ‏نتعامل معها وأن نوجد قوانينها..‏

* إبليس أودى به ما هو عليه من صفة التكبر، والملائكة فاتهم أن الإيمان لا يصلح ‏شرطاً للاستخلاف في الأرض.. إذاً فميزة الإنسان كامنة في العلم.. أتْرُكُ الحديثَ ‏للأستاذ زبارة، فيضيف:‏
– نعم.. هذه القدرة على الاستخلاف أنيطت بالعلم والاكتشاف، والقدرة على التسمية وما يترتب ‏عليها، وبالتالي اليوم فإن من يقوم بواجب الاستخلاف في الأرض هو من يستطيع أن يكتسب، ‏أو يستفيد، من تسخير الأرض للإنسان كإنسان.. لقد جاء التسخير واضحاً، فهو للإنسان ‏كبشر، كجنس.. وليس لأصول معينة.. (لسلالة أو ما شابه).. إذ لو كان على أساس أصل ‏الكائن لكان الجن أولى. وليس على أساس الإيمان، إذ لو كان كذلك لكانت الملائكة أولى.. ‏وإنما الاستخلاف للإنسان كإنسان بقدر كسبه للقدرة على التسمية، التي تكون بقدر كسبه من ‏العلم، فلا يستطيع الإنسان أن يسخر لنفسه أي شيء في الكون إلا بقدر علمه..‏

* سألته أين يقف التدافع في مجتمعاتنا بالقياس إلى جوهر الاستخلاف في الأرض، ‏واشتراطاته التي أبانتها قصة الاستخلاف؟ فأجاب:‏
– إننا عندما لم نستطع أن نستوعب هذه السنة الكونية، التي نزلنا بها إلى الأرض لنتعامل ‏بواجب عبادة الاستخلاف، كان من الطبيعي ألّا ننهض بموجبات الاستخلاف.. إن الاستخلاف ‏في الأرض عبادة يمارسها البشر.. هذه العبادة من استطاع أن يجعلها بنية عبادة لله سبحانه ‏وتعالى سيكسب بها الأجر، ومن تعامل معها بنواميس لأغراض شخصية، لخدمة بشرية، ‏لكسب مادي، لبناء ذاته، لبناء دولته..الخ فسيكسب؛ لأنه يتعامل مع سنن، وسنن الله غلابة، لا ‏تفرق بين مؤمن وغير مؤمن، ولا تحابي مؤمناً على كافر.. هذا المعطى والفهم الأساسي في ‏هذه القضية عندما غاب عن ثقافتنا شيعة وسنة، مع الأسف الشديد، رحنا نجعل للزعامة – وما ‏هو من صور الاستخلاف في الأرض- شروطاً لا تلتفت إلى السبب الذي استخلف الله فيه ‏الإنسان كإنسان في ضوء شرط التأهيل، الذي أشرنا إليه سابقا.‏

قيادة الاستخلاف
* ينظر الأستاذ محمد للزعامة والرئاسة، اليوم، على أنها تعني قيادة استخلاف ‏البشرية في هذا الموقع الجغرافي، أو ذاك.. أما الاستخلاف بشكل عام فإن الإنسان ‏لم يُوجد في الأرض إلا ليمارسه، وكل منا – كما يقول- سيمارس الاستخلاف بقدر ‏كسبه من العلم.. ويضيف:‏
– لنتأمل في القرآن الكريم قصص ثلاث زعامات.. وماذا كان مصيرها؟ فرعون وقارون – ‏كزعامة اقتصادية- وبلقيس.. امرأة أمام رجلين.. غير أن مسألة الاستخلاف مناطة بعلم، ‏بكسب، بتعامل مع الآخرين.. فرعون انتهى بـ «أدخلوا آل فرعون أشد العذاب».. وقارون ‏‏«خسفنا به وبداره الأرض».. إنما بالنسبة لبلقيس فقد أفلحوا عندما جعلوا عليهم امرأة، لأنها ‏سارت وفق نواميس الكون. لقد حاولوا – بلقيس وقومها- أن يتجاوزوا عصرهم وأناسه الذين ‏عبدوا الملوك؛ فعبدوا ما هو أرقى من الملوك: الشمس، ومع ذلك كانوا في درجة من الشك أن ‏الشمس لا تُعبد، لذلك قبلت الرسالة من سليمان.. هذه المنهجية التي كانت مملكة بلقيس مبنية ‏عليها هي التي جعلتها تتكلم عن خطاب سليمان بأنه كتاب كريم.. هناك أناس لا يعبدون ‏ملوكهم، وإنما يعبدون شيئا آخر.. هذا يعني فرقاً، إذ كانوا في اليمن – أيام بلقيس- يعبدون ‏الشمس.. هذه المنهجية العلمية ترتبط مع الإيمان؛ لأن مصدر نواميس الكون التي يحكمها ‏العلم ومصدر نصوص الله في الرسالة مصدر واحد، هذه المصدرية عندما تلتقي تتفق تلقائياً، ‏ولذلك كيف آمنت بلقيس؟ آمنت عندما وجدت أن لدى سليمان ما يفوق صناعة البشر..‏

جدل الخلافة وشرط النسب‏
* صحيح أن قصة الاستخلاف قد أخذت هنا حيزاً كبيراً، إنما لا بد مما ليس منه بد.. ‏طلبتُ إلى الأستاذ زبارة أن يعرج بنا على قصة الخلافة التي جعلت القوم – بعضاً أو ‏كثيراً منهم- يتخندقون حول عصبية النسب.. فأجابني قائلاً:‏
– أمامنا مدرستان: المدرسة السنية والمدرسة الشيعية. أما المدرسة السنية فالعنصرية في شرط ‏الحاكم غلبت عليها، لن تجد كتابا من كتب المدارس الفقهية السنية قاطبة إلا وتضع القرشية ‏شرطاً من شروط الإمامة، استناداً على فهم لنص.. هو نص صحيح.. لكن المشكلة أننا لم ‏نستطع أن نتعامل مع القصص القرآني الذي كله تدبر وتأمل، بينما استطعنا أن نفهم جزئية في ‏حديث «إن الإمامة في قريش» الذي لا يمكن أن نقبل هذا الحديث – مهما كان مستواه من ‏الصحة– إلا ونجعله يُصادم نواميس الكون.. إذا كان القرآن بعظمته يقول لنا إن منه آيات ‏محكمات، وأنها أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه؛ ‏فالمسألة هنا أن نعيد النصوص المتشابهة في القرآن إلى النصوص المحكمة لإنضاج الفهم.. ‏هنا نحن نتعامل مع حديث لم يبلغ درجة التواتر ومع ذلك نُقيّد به نصوصاً أخرى.. مع الأسف ‏الشديد فإن الطموح السياسي في إطار المدرسة السنية وجَّه شروط الحاكم إلى اتجاه القرشية..‏

الحكم: أوَّلها نقضاً!‏
* هذا عن المدرسة السنية التي – بخلاف الشيعية- لم يعد لما أصَّلت له من شرط ‏النسب إلا المداد الذي كُتب به في المدونات التاريخية.. أما عن الثانية فيقول الأستاذ ‏محمد:‏
– أما في اتجاه التشيع فكانوا أكثر انغلاقاً وتضييقاً، فأرادوا أن يحصروها ليس في إطار ‏القرشيين وإنما أخذوا بطناً من بطون قريش وهو بني هاشم، وأخذوا من بني هاشم العلويين، ‏وأخذوا من العلويين أبناء الحسن والحسين.. فهي إطار أكثر ضيقاً.. وكل واحد في إطار هذا ‏الفهم بحث له عن نصوص متشابهة..‏

* إن «أول عرى الإسلام نقضاً هو الحكم».. لا يتردد زبارة عن تأكيد صحته، مشيراً ‏إلى أن نظرية اختيار الحاكم في الإسلام قد شُوِّهت منذ وقت مبكر، ففي الوقت الذي ‏أرادها الله سبحانه أن تكون محط اهتمام المسلمين بشكل عام؛ إذا بها توصد بقفل ‏القرشية الذي جاء بالدولة الأموية، ثم جاءت الهاشمية بالدولة العباسية، وهكذا.. وهنا ‏يعرج على مفارقة لا تخلو من دلالة، فيقول:‏
– يستوقفنا عند التأمل في مسألة القرشية أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أقام دولته إلا بعد أن هجر قريش، ‏ولو أردنا أن نتأمل في العصبية الشيعية والتشيعية لوجدنا أن أكبر رد عليهم هو موقف النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم الذي لم يوص لأحد من بعده بالخلافة، وكذلك موقف الإمام علي الذي لم يوص للحسن ‏وقال: لم يوص من هو خير مني.. ستجد هناك الكثير من النصوص التي يحاول البعض ‏التشكيك فيها لأنها لا تدعمهم في اتجاه رسم نظريتهم السياسية.. أما لماذا فالسبب في تصوري ‏أنه الطموح السياسي لدى بعض الأشخاص، ولذلك فأنهم يحاولون أن ُيلبسوا طموحهم السياسي ‏لبوس الدين..‏

جميعنا «آل محمد»‏
* بعد هذا كله نأتي إلى الوثيقة الفكرية والثقافية التي لم يتردد زعيم عن ‏تأكيد أن ما انطوت عليه هو «رؤيتهم وعقيدتهم».. وهنا يقول الأستاذ زبارة «إن ‏الوثيقة الحوثية جاءت لتعيدنا مربعاتٍ إلى الوراء، ما كنا نتوقع أن هناك، للأسف ‏الشديد، من يؤمن بها».. وهو إذ يشدد على ضرورة إعادة النظر في الكثير من ‏المفاهيم التي سادت في كتب السنة والشيعة»؛ فإنه يبدأ بمصطلح (آل البيت) فيقول:‏
– أنا بحثت في مصطلح آل البيت، إنه مصطلح سياسي، لم أجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ‏شيئاً اسمه (آل البيت).. وفي إطار الحديث النبوي لم أجد إلا نصاً واحداً؛ ففي حديث النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل رزق أهل بيتي قوتاً، فإن كل الروايات تورده بلفظ (أهل بيتي) إلا رواية ‏واحدة تورده بلفظ (آل بيتي).. هذه الرواية بحثت عنها على مدى أكثر من عشر سنوات ولم ‏أجد غيرها.. أمام هذا المصطلح أنا أجد أن الإخوة الذين يريدون أن يتبنوا هذه النظرية، قد ‏أخذوا مصطلح (آل) من آل محمد الذين نذكرهم في الصلاة: اللهم صلي على محمد وآل ‏محمد؛ نذكرهم مرتبطين بإبراهيم وآل إبراهيم.. وأخذوا مصطلح (البيت) من أهل البيت، لأن ‏مصطلح الـ (أهل) يفيد بصورة واضحة لا تقبل الخلاف الزوجات ابتداءً، لأن التأهل هو ‏الزواج، والأهل هم الزوجة أولاً، ويأتي منها الأولاد.. هذا المصطلح إنما رُكِّب بمصطلح ‏‏(الآل) من هنا، ومصطلح (البيت) من هنا.. أرادوا الهروب من (آل محمد)؛ لأن (آل محمد) ‏رُبطت بآل إبراهيم، ولا يمكن أن نُفَسِّر (آل محمد) بذرية محمد؛ لأننا نطلب من الله الصلاة ‏عليهم كما صلَّى على آل إبراهيم؛ ونحن نعلم أن اليهود منهم، ومنهم من مسخوا قردة ‏وخنازير.. إذاً لن يستقيم المقام ونحن نقول في صلاتنا: اللهم صلي على محمد وآل محمد ‏كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.. الخ. النص هنا في هذا الورود الثابت عند الجميع ‏لا يحتمل التفسير المراد الذهاب إليه، لأنه يربطك مباشرة بإبراهيم وآل إبراهيم..‏

* يرى الأستاذ محمد أن استيضاح موقع أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو تبيان ‏العلاقة بين المسلمين وسيدنا إبراهيم، بحاجة إلى دراسة معمقة؛ ستفيد في ما نحن ‏بصدده، ويضيف:‏
– هناك مسألة ينبغي التوقف أمامها طويلاً؛ فقد ربط محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ‏اتّباعه لإبراهيم: «قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً».. هذه ‏النقطة الأولى، أما الثانية فبالنسبة لخليل الله إبراهيم من حيث أتْباعه وأولاده نجد أن النصوص ‏القرآنية تُظهر – وبوضوح أكثر من أي نبي آخر- في قصص الأنبياء: إن أولى الناس ‏بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي.. إذاً بالنسبة لإبراهيم عليه السلام ستجد مفاضلة واضحة بين ‏الأبناء وبين الأتْباع، فأولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه.. مثلما سنجدها عند نوح: ومن دخل ‏بيتي مؤمناً.. وليس من دخل بيتي من أهلي: إن ابني من أهلي، فقد ردّ الله عليه: إنه ليس من ‏أهلك..‏

أسرة الدين وأسرة الطين
* يُفرِّق زبارة بين مفهومين: (أسرة الطين) و(أسرة الدين).. ويتمنى في ضوئهما ‏إعادة النظر في مفاهيم (الآل والأهل والأتباع..).. أما ماذا يعني بأسرة الطين، وماذا ‏يعني بأسرة الدين؟ فيجيب:‏
– لقد أورد لنا رب العزة تسمية الأبُوَّة الدينية، التي ربطها بإبراهيم عليه السلام.. إنها أبُوَّة واضحة: ‏‏«ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين..».. أي لا يستطيع إنسان، لوضوح هذا النص، أن ‏ينكر أن أي مسلم بإسلامه ينتسب بُنُوَّة لإبراهيم عليه السلام. أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فـ «ما كان محمد ‏أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين».. يمارس هذا الدور الختامي لرسالة ‏السماء، ليتحمل الإنسان كإنسان مسؤولية تلقي الدين وفهم الدين.. «اليوم أكملت لكم دينكم ‏وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً».. هذا التحمل لمسؤولية الترشيد في الدين ‏انتهت بخاتم الأنبياء، فهذه الوظيفة لخير خلق الله سحبت منه لفظ الأبوة.. لكن الأبوة هي ‏ولاية، لهذا ستجد النص الآخر يقول: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم».. ‏مثلما كان وضوح لفظ الأبُوَّة عند إبراهيم، هاهو يرد لفظ أمومة.. ثم يأتي النص الآخر: «إنما ‏المؤمنون إخوة».. وهكذا سنجد أننا أمام أسرة دين؛ الانتساب إليها بشهادة ألّا إله إلا الله وأن ‏محمداً رسول الله، وبالعمل الصالح.. هذا المفهوم الذي تنطبق عليه مفاهيم الولاء والبراء.. ‏هؤلاء هم أهل بيت النبوة.. هذا هو بيت النبوة.. هذا الذي قال عنه نوح: «ومن دخل بيتي ‏مؤمناً»..‏

* ملة (أبيكم) إبراهيم عليه السلام، أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو (أولى) بـ (المؤمنين) من أنفسهم، ‏وأزواجه (أمهاتهم)، والمؤمنون هؤلاء إنما هم (أخوة).. هكذا اكتملت أركان «أسرة ‏الدين» فأين هي من سكنى (بيت النبوة)؟ يجيب الأستاذ محمد:‏
– عندما نتكلم عن (بيت نبوة).. لماذا نفصل النبوة وبيت النبوة عن الدين، مع أن النبوة هي ‏الدين، وهي رسالة السماء.. جميعنا ينتسب إلى هذا الدين، وإلى بيت النبوة، وإلى بيت ‏الإسلام، وإلى بيت محمد وإلى أتباع محمد، وإلى آل محمد، وإلى أهل محمد كرسول ونبي.. ‏وهكذا يترتب على الانتساب إليه في إطار الدين أحكام واضحة، ولذلك فإن الأحكام ‏التي ترتبط في إطار أسرة الدين ستجد أنها ولاء وبراء ومرتبطة بإيمان وكفر وحد الردة.. ‏وأشياء كثيرة جدا.. لأنها تتأتى بالدخول إلى هذا الدين.‏

* أما عن (أسرة الطين) فيقول:‏
– بالنسبة لأسرة الطين أنا لا أستطيع أن أختار ابن من أكون، لا أستطيع أن أختار أبي ولا ‏أمي.. وستجد في إطار الأسرة الطينية أن المسألة تبدأ بأرحام وإرث.. ربع.. ثمن، أشياء ‏حدية.. الأرحام تُحدد.. منها العمات، الخالات.. كلها أمور ليست كسبية وإنما قسرية.. ‏وبالتالي فإن النصوص والأحكام الشرعية التي تتعامل معها غير الأحكام الشرعية التي تتعامل ‏مع الدين، فالولاء والبراء هناك واضح..‏

الخلط بين الأسرتين
* الذي حدث، ولم يزل يحدث، هو الخلط بين ما يترتب على الانتظام في (أسرة الدين) ‏والأخرى (أسرة الطين).. وللوقوف على شيء من هذا الخلط يقول زبارة:‏
– لقد تم أخذ الولاء والبراء والحب والنصرة من إطار الأسرة الدينية، هذه التي فيها «المؤمنون ‏والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر».. هذا الإطار الديني: ‏‏«محمد رسول الله والذين معه..».. وكذلك كل الأنبياء ومن معهم.. لقد تم تحويله إلى إطار ‏قسري، إلى الأسرة الطينية.. والسبب أننا لم نستطع التفريق بين النقلة من العصبوية القبلية، ‏عصبوية ما قبل الدين، والعصبوية الدينية التي جاءت رحمة للعالمين.. هذا التجمع الجديد ‏باسم الدين خدمةً للبشرية لم يستطع البعض أن يستوعب هذه النقلة، مع أن الله تعالى قد أراد ‏أن لا تتحقق الدولة الإسلامية إلا بعد أن يهجر النبي قومه، وما يفتخر الناس في ذلك العصر ‏إلا بالهجرة، وماذا هجروا؟ لقد هجروا قومهم وديارهم وأموالهم.. هذا الهجر، مفهوم الهجر، ‏إلى اليوم لم يستطع الكثير من الناس أن يهجر قبيلته لينتقل إلى آفاق أرحب..‏

‏«حليمة» وعادتها القديمة!‏
* تماماً كما لم يستطع أصحاب «الوثيقة الفكرية والثقافية» مغادرة ضيق «نحن أبناء ‏الله وأحباؤه» إلى سعة «بل أنتم بشر ممن خلق».. سألته إن كان يرى «وثيقةَ» ‏القوم سحابةَ صيف وتنقشع.. فذكّرني بما يشبه عودةَ حليمة إلى عادتها القديمة ‏قائلاً:‏
– في مطلع التسعينات كان هناك بيان حول الإمامة أخف حدة، وقّع علية أربعة من رموز ‏الزيدية في اليمن، وكانوا أكثر عقلا وواقعية، حاولوا أن يسلكوا مسلك توضيح أن الإمامة ‏ليست إلا خدمة للبشرية.. خدمة للناس، وليس في اتجاه حقوق معينة.. وإن حاولوا في بعض ‏النصوص أن يطوعوها ويوظفوها على نحو أنها ما سلمت دماء المسلمين.. صحيح أنهم لم ‏يستطيعوا أن يكونوا أكثر وضوحاً، لكنهم لم يصرحوا أنها في البطنين، وإنما حاولوا أن يقولوا إنها اليوم في من يريد الناس.. لكن اليوم، وبعد عشرين سنة، نفس من وقّعوا في السابقة ‏وقّعوا – للأسف الشديد- وبتأكيدٍ على تلك النغمة.. أنا أجد أنهم يغردون خارج السرب، ‏وأنهم مسكونون بطموح سياسي، وكما قال الفلاسفة: للملك سكرة.. سكرة الملك هذه التي تكلم ‏عنها الفلاسفة لا يستطيع الإنسان أن يصحوا منها ليجد بقية النصوص الراشدة.. مشكلتنا أننا ‏حتى اليوم لم نستطع أن نهجر فهوم القبيلة لننتقل إلى مفهوم عبادة الله سبحانه وتعالى.. هناك ‏إشكالية في كيف نستطيع أن نُجَسِّد فهم النبي صلى الله عليه وسلم لتأسيس الدولة..‏

* ‏«أجدني أخجل عندما أرى اليوم من يدّعي أنه يفهم فهم السماء، سواء من ادعى أن ‏فهم السماء قد جاء له وراثة، أو من ادعى انه بعلمه قد وصل إليه..».. هذا ما ‏يقوله الأستاذ زبارة.. غير أن ثمة فرق بين المسلكين لن يفوته التنبيه عليه.. وهنا ‏يضيف: ‏
– عندما أجد من يقول: أنا لأنني من البطنين فالعلم عندي والحكم لي، أو من يكتب مؤلفاً ويقول: ‏رأي الإسلام أو حكم الإسلام في القضية الفلانية!!.. من نحن حتى نستطيع الإحاطة بحكم ‏الإسلام؟ سواءً ادعينا أننا تعلمناه، أو ادعينا أننا ورثناه.. صحيح أن من يدعي وراثة العلم، أو ‏يدعي الحق السياسي وراثة، هو أكثر خزيا.. وهنا أجد نفسي أكثر خجلا.. إنني أخجل من ‏بني قومي الذين يدَّ اليوم أنهم يمتلكون حق احتكار العلم واحتكار الحكم، في هذا العصر ‏الذي لم تقبل فيه اليمن حكماً عائلياً، لا يدعي استناده إلى دليل شرعي، وإنما استند على قوة ‏مالية وعسكرية، واليمن لم يقبل هذا الحكم العائلي، وهؤلاء يريدون أن يعيدوا الحكم عائلياً؛ ‏وبادعاءات أن ذلك جاء بأمر السماء!!‏

أجمل صور التفقه
* سألته إن كان يمكن – في زحام أدعياءِ وراثةِ دين الله والنطق باسمه – إنتاج ‏خطاب ديني مختلف، فطفق يحدثني عن «أجمل صورة جسدها القرآن الكريم للتفقه ‏في الدين».. ومضى يقول:‏
– لنتأمل في قوله تعالى: «ولولا نفر – نفر بمعنى ابتعد – من كل فرقة منهم طائفة».. هنا لو ‏تخيلنا فرق المسلمين كافة، ونفر من كل فرقة طائفة، ليس واحدا ولا اثنين، وإنما طائفة، ‏مجموعة.. هؤلاء ابتعدوا عن مدارسهم وتأثيراتها، وجاءوا ليتفقهوا في الدين.. هذه الصورة ‏المثالية: أن تنفر من كل فرقة طائفة.. وتذهب هذه الطوائف للتفقه في الدين، وبعد أن يتفقهوا ‏في الدين، ويصلوا إلى صورة تكاملية رائعة؛ لأنهم جاءوا بهدف الفقه ولم يأت كل واحد منهم ‏يدافع عن مدرسته.. سنلاحظ أنهم بما وصلوا إليه من تفقه في الدين لا يملكون الأمر ‏بالمعروف والنهي عن المنكر.. وإنما فقط: «ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم».. لأن الدين ‏اقتناع داخلي بدافع ذاتي.. حتى الأنبياء والرسل، وهم يحملون رسالة السماء، كل منهم ليس ‏إلا: نذيرا وبشيرا.. لكن عندما نأتي إلى مسألة الأمر والنهي عن المنكر في إطار الدين لا ‏نجده إلا في ما هو معروف وما هو منكر..
والمعروف بمعنى ما تعارف عليه الناس.. إذاً فأنا ‏في إطار ما أقدِّمُه من فهم جديد للدين لا أملك إلا الإنذار والتبشير في إطار فهمي للدين، مهما ‏كنت، ومهما كانت جماعتي راشدة، ومهما وصلت إليه من طريق الاستنباط.. لا أملك إلا ‏الإنذار.. بعد ذلك ما يقتنع به الناس ويتعارفوا عليه من الفهم؛ هنا يستطيع الإنسان أن يمتلك ‏سلطة الأمر به.. ولذلك حتى مسألة ولاية الأمر – في: (ولو ردوه إلى الله..) الآية – فإنها ‏متوقفة على إجادة الاستنباط، لأنه ليس مجرد الفهم للنص وحمل النص يعطيك الحق بالأمر ‏والنهي.. أنت إذا أردت أن تكون من أولي الأمر فعليك أن تتمكن من ملكة الاستنباط: «لعلمه ‏الذين يستنبطونه..»..
الأمر في أولي (الأمر) بحاجة إلى مقدرة عقلية واضحة، تستطيع بها أن ‏تستنتج.. هذه المسألة أتصور أنها تغيب كثيراً عن فقهائنا ومدارسنا الإسلامية وأحزابنا بشكل ‏كبير.. لأنه سيكون الحال مختلفاً لو استطعنا أن نؤمن أن فهم الدين هذا لا يرتبط بحزب أو ‏بجماعة أو بمذهب مطلقاً، وإنما يرتبط بما تعارف عليه الناس.. بما أنكره الناس.. لأن الناس ‏هم من يمتلكون أمراً: «لا تجمع أمتي على ظلال».. هذه هي دلالتها، أي الصورة العامة لفهم ‏الدين.. فحتى الفتوى لا يوجد مذهب إسلامي على كل الأصعدة يقول إن الفتوى ملزمة، وإنما ‏يذهبون إلى: «استفت قلبك وإن أفتاك المفتون».. لأنك تقدم فهماً، أنت تقدم فهمك، لا تقدم ‏توقيعاً عن رب العالمين، ولست مخولاً بذلك..‏

إفلاس وكَذِب!‏
* يُلَخّص الأستاذ محمد قراءته للوثيقة – إياها – في جملتين: إنها «نوع من الإفلاس»، وإنها ‏‏«توظيف لطموح سياسي يُكذب فيه على الله ورسوله».. وما بين الجملتين حشرجات عن ‏‏«صعدة» التي أريد لها – بضم ألف أريد على صيغة المبني للمجهول – أن.. ماذا؟ يجيب ‏زبارة:‏
– الحديث عن اصطفاء (على أساس النسب) هو نوع من الإفلاس ابتداءً.. أمام هذا الانفتاح ‏المهول الذي أصبحت عليه البشرية.. العالم أصبح غرفة واحدة.. تستطيع أن تتخاطب ‏وتتجاذب النقاش مع أي إنسان في العالم.. اليوم لدينا العالم الافتراضي، تستطيع أن تتحاور ‏فيه.. هذه الإشكالية صُدِم البعضُ أمامَها وهم يحملون تراثاً يعطيهم الطموح السياسي، فأرادوا ‏للأسف الشديد أن يعودوا ليرتكزوا على هذا الشيء.. العملية السياسية لعبت دوراً غير لائق.. ‏صعدة أريد لها أن تلعب دوراً سياسياً في هذا الاتجاه منذ وقت مبكر.. صعدة أريد لها نوع ‏من العزلة العلمية.. عزلة خطيرة.. أريد لها نوع من العزلة التنموية بشكل كبير.. أريد لها ‏نوع من العزلة الاقتصادية.. فما كانت زكاة صعدة تصل إلى الدولة وإنما كانت تصل إلى ‏أسَرٍ ترتكز على هذا الفكر العنصري المقيت الذي لا نجد له مثالاً إلا ما قاله إبليس: «أنا خير ‏منه».. ما كشفت عنه الوثيقة هو تحد لفهمنا للدين.. تحد للمجتمع المدني الذي نريد أن ‏نعيشه.. تحد لانفتاحنا على البشرية.. تحد لكل معاني الحياة الجميلة.. تحدٍ صارخ لكنه ‏توظيف لطموح سياسي بطريقة يكذب فيها على الله ورسوله.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عناوين بوست ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عناوين بوست ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق