اخبار سوريا اليوم - حول قضية أنور رسلان وإياد الغريب

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

أثار توقيف السلطات الألمانية لاثنين من عناصر أجهزة مخابرات نظام الأسد، جدلاً بين السوريين، فانقسموا بين مهلل للعدالة التي حرم منها السوريون طويلاً، ومدافع عن الرجلين الموقوفين باعتبارهما ممن انشقوا مبكراً عن النظام، ولعدد من المعارضين شهادات حسنة بحقهما.

لدينا، إذن، فرحة صغيرة لم تكتمل. فرحة بأن من أوغلوا في دماء السوريين لن ينجوا من العدالة التي ستلاحقهم أينما حلوا ومهما تأخر الأمر زمنياً. صحيح أنها خطوة صغيرة وحسب، لكنها خطوة لا بد أن تليها خطوات أخرى، مما يمنح بعض العزاء لذوي ضحايا النظام، أو أصحاب الارتكابات الآخرين، ولعموم السوريين الذين تضرروا من النظام وحربه المفتوحة عليهم.

لكنها لم تكتمل. فقد ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي شهادات شخصية تؤكد أن الرجلين، الضابط أنور رسلان وصف الضابط إياد غريب، لا يستحقان المحاكمة أو الإدانة، بسبب انشقاقهما المبكر (عام 2012) ومسلكهما قبل الانشقاق وبعده. في حين احتار بقية السوريين ممن لا يعرفهما، أو لا يعرف شيئاً عنهما، بين الموقفين الحديين.

لا أحد ينكر ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها، كشرط لا بد منه لطي صفحة الماضي الدموي والبدء من جديد بمجتمع في سبيله إلى المعافاة من الجروح العميقة التي أصابته. في حالات مثل الصراع السوري لا تطرح مسألة العدالة بصورة مجردة عن بعدها الاجتماعي ـ السياسي، فلا يتعلق الأمر بمجتمع مستقر ارتكب فيه أحد ما جريمة يجب أن يعاقب عليها. بل لدينا مجتمع منقسم على نفسه، رأى فيه كل طرف في الطرف الآخر عدواً يجب قتله أو التنكيل به. فإذا كانت التصورات الإيديولوجية ـ السياسية تختلف على تصنيف جريمة واحدة باختلاف القاتل والضحية، هذا يعني أننا أمام مشكلة كبيرة. ولا تحل هذه المشكلة من خلال دخول طرف ثالث، يفترض أنه محايد كالمحكمة الألمانية في حالتنا، إذ يمكن للمحكمة نفسها أن تدين أشخاصاً من الطرف الآخر أيضاً متهمين بارتكابات معينة. ولا أظن أن ردود الفعل ستكون مماثلة لما رأيناه في حالة أنور رسلان وإياد الغريب.

هل يعني ذلك الامتناع عن اللجوء إلى محاكم لملاحقة أشخاص متهمين بجرائم في إطار الصراع السوري؟ بالتأكيد لا. فهذه فرصة نادرة لا بد من استثمارها لإدانة النظام المجرم الذي يحظى بحماية دولية ندر أن تحظى بها طغمة مجرمة. لكن حالة المتهمين المذكورين تشير إلى أن غياب «التسييس» عن العدالة، في مثل هذه الحالة، له محاذير لا تقل عن محاذير حضوره. فالجهات الحقوقية التي تعمل على ملف الانتهاكات من واجبها أن تدقق في القضايا المطروحة على برنامج عملها، ويكون لها سلم أولويات لن يخلو من «سياسة».

إن قضية ضعيفة كحال القضية موضوع الحديث، بدلالة ردود الفعل المتضاربة في الرأي العام، من شأنها أن تضعف القضية العامة أو استراتيجية محاكمة النظام. لماذا لا تتم ملاحقة مجرمين يحظون بإجماع الرأي العام في إدانتهم، بدلاً من حالات طرفية تدور الشكوك حول الاتهامات الموجهة إليها؟ ألا تقوم بعض الأنظمة القضائية على وجود هيئة محلفين، هم من المواطنين العاديين، يملكون إدانة المتهم أو تبرئته بعد التصويت على ذلك فيما بينهم؟ في الحالة السورية يمكن اعتبار الرأي العام المعبر عنه في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي شكلاً من أشكال هيئة المحلفين، من غير أن ينفي ذلك أن هذه الهيئة ربما تتخذ قرارات خاطئة في بعض الحالات.

لا تحتمل قضية رسلان والغريب تمترس أصحاب الرأيين المتعارضين بشأنها كل برأيه كما لو كانت الغاية هي إثبات صحة الموقف مهما طرأ من حقائق كشفت عنها بعض الشهادات الشخصية. فالأمر يتعدى مصير الشخصين، على أهمية ذلك بحد ذاته، إلى مصداقية القضية التي تمثلها حالتهما. يقول المدافعون عن وجوب محاكمة الرجلين وإدانتهما أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم أو غيره من الأسباب. لن أجادل في صحة ذلك. ولكن إذا كانت الغاية هي تحقيق العدالة، فأين هي العدالة في ملاحقة شخصين واجها مخاطر كبيرة، مع عائلتيهما، في انشقاقهما عن جهاز المخابرات الذي كانا فيه عنصرين ضئيلي الشأن، مقابل إفلات مجرمين أهم وأخطر من الملاحقة؟ أليس في هذه المعادلة ـ وهي متحققة في الواقع ـ نسفاً لأساس مفهوم العدالة؟

في حالات الصراعات الكبيرة، يطرح موضوع «العدالة الانتقالية» التي تكتفي بمحاكمة عدد محدود من رموز الإجرام لتأسيس المرحلة الجديدة. ليست هناك حالة واحدة حوكم فيها جميع المتورطين في الجرائم. فالعدد الهائل من المتورطين لا يسمح بذلك، حتى بالمعنى التقني. مؤكد أن هناك كثيرين سيشعرون بالضيم لأن العدالة لم تنصفهم بالاقتصاص من أشخاص تسببوا بأذى مسهم شخصياً. ولكن لا مفر من الانتقائية في هذه الحالات.

أضف إلى ذلك أن فتح باب ملاحقة أي شخص، من المحتمل أن تؤدي إلى اتهامات كيدية يكون ضحاياها من الأبرياء. فهل هناك آلية موثوقة لحماية الناس من ذلك؟

من المحتمل، بالنظر إلى المحاولات السياسية الدولية الساعية إلى إيجاد حل سياسي، أن العدالة الانتقالية نفسها، على رغم مساوئها البينة، قد لا يكون لها محل في «الحل السياسي» الذي يريده اللاعبون الدوليون لسوريا. في هذه الحالة تكون ملاحقة مجرمي النظام، والمجرمين الآخرين، أمام محاكم في دول أوروبية هو الشكل السوري الخاص بالعدالة الانتقالية. لذلك وجب أن تدرس الحالات بدقة وتقيم آثار كل قضية من قضايا الملاحقات على مستقبل الاجتماع السوري إذا كان له مستقبل.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة السورية نت ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من السورية نت ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق