اخبار مصر اليوم - حفيدة الشيخ محمد رفعت: «الزغطة» أنهت مشوار جدي مع التلاوة (حوار)

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

اشترك لتصلك أهم الأخبار

رافقته الأحزان منذ نعومة أظافره، ففقد بصره ولم يكمل عامه الثاني، وتوفي والده في التاسعة من عمره، فكان أعظم قراء القرآن الكريم، وملأت شهرته الآفاق فبات القارئ الشيخ محمد رفعت، أيقونة القراء ووجهة كل متذوق لكتاب الله..

وقالت هناء حسين حفيدة الشيخ رفعت، في حوارها لـ«المصري اليوم»، إن الإذاعة خذلته قديما تقدم له معاشا وهو طريح الفراش، كما رفضوا إذاعة تراثه التسجيلي بعد وفاته، مؤكدة انه رفض تبرعات تقدر بألف فدان وقتها، وقال «اعطوها لمن هم أفقر مني».

وحكت عن كواليس زواجه مبكرا وشروط والدته في عروسة ابنها التي كان اهمها ان تكون صاحبة صحة قوية، مضيفة أن كوكب الشرق أم كلثوم تنكرت للشيخ رفعت بعد ان تعلمت على يديه فنون الصوت، ولكن الموسيقار محمد عبدالوهاب ونجيب الريحاني لم يفارقاه أثناء محنتة الصحية..وإلى نص الحوار..

* في البداية من هي أسرة الشيخ الراحل محمد رفعت؟

اسرته الموجودة حاليا هم أحفاده الذين يبلغ عددهم 16 حفيدا، ولكن رحل أولاده الأربعة محمد واحمد وبهية ووالدي حسين.

* وكيف نشا الشيخ رفعت؟

اسمه محمد رفعت محمود رفعت محمد رفعت، وهو اسم مركب، ولد بالقاهرة في 9 مايو 1882 في درب الاغاوات بحي المغربلين، وسط اسرة معروفة لها وضع اجتماعي جيد، كان والده ضابط شرطة، ترقى حتى صار مأمورا لقسم الجمالية في يوم مولد نجله محمد، ولكن فقد المولود بصره وهو لا يزال رضيعا، فقرر والده ان ينذره للقرآن الكريم، وبالفعل اصبح ذلك الشغل الشاغل للاب والام، فألحقاه بكتاب «بشتك» بجامع فاضل باشا بدرب الجماميز في السيدة زينب، وبدأ نبوغ الطفل يظهر شيئا فشيئا حيث أعجب به كل مشايخه وتوقعوا له مستقبلا كبيرا ولم يخيب الفتي ظنونهم حيث اختتم القران الكريم وهو التاسعة من عمره، لكن القدر أخذ والده في نفس الوقت، ولم ييأس الابن، الكفيف اليتيم، ومنحه الله سبحانه وتعالي ايمانا وصبرا ورجاحة عقل كما يقول والدي، جعله يري الدنيا بقلبه فسار على الدرب الذي وصفه ورسمه له اباه حتي حصل على إجازة القراءات العشر واصبح مشهورا بحسن صوته وجمال حديثه وجاذبية اداءه، وهو لا يزال صغيرا حتي كلفته ادارة المسجد وقتها بقراءة القران يوم الجمعة قبل الصلاة، واذا بالناس يرتبطون به مما جعلهم يأتون من كل صوب وحدب لرؤية الفتي المعجزة صاحب الصوت الملائكي بمسجد فاضل باشا الذي لم ينساه جدي طيلة حياته حتى توفي وقد سمعت الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه يقول عندما وددت الاستماع للشيخ رفعت ذهبت اليه من الفجر حتي أحجز مكانا متقدما لرؤيته وسماعه نظرا للازدحام الشديد على المقرئ.

* وكيف ارتبط بالاذاعة؟

بعد انتشار وشهرة جدي اصبح مطلوبا من جميع الاعيان وكبار الشخصيات في البلد، فكانوا حريصين على إحياء حفلاتهم ومناسباتهم الكثيرة، وقد ذاع صيته في كل مكان وعرف بعذوبة صوته وجمال اداءه بعد ان حفظ القراءات وتفوق فيها مما جعله واثقا من نفسه عالما بإمكاناته، ولم يخذل احدا، ويقول كل من عاشره انه لم تكن له شروط، هو محب للقراءة والقرآن، وعندما افتتحت الاذاعة المصرية عام 1934، طرح اسمه عن طريق البرنس محمد على، ابن عم الملك فاروق، وكان من عشاق صوت الشيخ، وأصبح الشيخ قارئا بالاذاعة، وكان قديما في بداية عمل الإذاعة الارتباط بينها وبين المقرئين يتم عن طريق تعاقد شهري يتقاضي من خلاله الشخص مبلغا من المال، وساعدت الاذاعة على اتساع شهرته فقد اصبح لها جمهور عريض في ربوع وخارجها فالتف حولها الشعب العربي ويحكي ان ارتباط الناس بالراديو ازداد وتضاعف بسبب المقرئين وحلاوة اصواتهم عبر اثير الهواء، وكان الاستماع للراديو شيئا اساسيا لدي الكافة.

* وما هو اول اجر حصل عليه الشيخ محمد رفعت؟

الحقيقة لا اعرف على وجه التحديد، لكن والدي أخبرني أن أول تعاقد بينه وبين الاذاعة كان بـ3 جنيهات في القراءة الواحدة اسبوعيا، ثم تطور الامر حتي اصبح عقدا شهريا بـ25 جنيها لكنه لم يكن مهتما بجمع المال، واعتاد تلبية رغبة الفقراء قبل الاثرياء وهناك واقعة شهيرة جدا وهي ان الملك فاروق طلبه لاحياء الذكري الثانوية لوالده في نفس الوقت الذي طلبته جارته الفقيرة المسنة البسيطة جدا لقراءة القرآن في مناسبة سنوية لديها فآثر ان يذهب إلى الفقيرة رافضا رغبة الملك، وهو ما أغضب فاروق، الذي قال له بعد أسابيع: «كنت زعلان منك لكني احبك»

* وكيف كانت علاقته بالملك؟

الشيخ رفعت كان صاحب شخصية واثقا من نفسه، تعامل مع الملك والمسؤولين بعزة نفس وشموخ يغلفهما الأدب، وحكي لي والدي انه ذات مرة رن هاتف المنزل فإذا بأبي يرفع السماعة ليجد صوتا يقول له «انا الملك فاروق اين الوالد»، ولم ينتظر الملك الرد وبادر قائلا: «أنا حابب اعرف هل سوف يحضر الليلة كما اتفقنا للقراءة أم مجهد؟»، فسأل ابي والده الذي اجابه: «قل له ان شاء الله عند موعدنا»، ولم يتحرك من مكانه ليرد بنفسه على الملك، وكرر الملك سؤاله: «لو تعبان احنا مسامحينه»، فكرر الشيخ رفعت ما قاله وهو مكانه: «ان شاء الله عند موعدنا»، ويؤكد والدي ان العلاقة بينهما كانت فيها احترام وتقدير متبادل.

* وماذا عن صفاته الشخصية وطباعه؟

كان رجلا متصوفا، انتمي للطريقة النقشبندية، والتزم بحضور حلقات صوفية ونظم اواخر أيامه، دروسا فيها لتعليم تلامذته ورواده، وقد اشتهر بطيبة والزهد في الدنيا وكان محبا للبسطاء والفقراء، بارا بأهله واصدقائه، واكتشفنا انه كان يشمل اشخاصا برعايته المادية كون ظروفهم قاسية، كما اعتاد رعاية ابناء اصدقائه، ولم يكن يحب الطعام كثيرا غير باحث عن ملذاته، وإن كان يحب البامية، ويرى أن الفسيخ يجلي الصوت فضلا عن حبه للقهوة، كما كان عاشقا لحديقة الحيوانات، حريصا على زيارتها، وقال إنه مولع بصوت الأسد، لأن به «قرار» حسب الاصوات الموسيقية في القرآن، كما كان محبا للنظافة مهتما بملابسه وتنظيفها وارتداء الجميل منها، وأحب الموسيقي الكلاسيكية، واحتفظ بعدة اسطوانات ما زالت موجودة حتى الآن، وكان جدى رحمه الله، سريع البكاء عندما يتلو القرآن، وحكي لي الفنان حسن يوسف، وكان يسكن بجوار جدي، انه اعتاد هو واصدقاؤه النظر اليه عند حركته في الشارع، لأنه «كان جميل المنظر له هيبة في مشيته وحركته ودود مع جيرانه فقد كان يلقي السلام على الجميع عندما يعرف اننا متواجدين بالقرب منه».

* وهل سافر إلى الخارج كثيرا؟


لم يخرج من مصر مطلقا، فقد كان يكره الغربة، ول ولايام قليلة، ورفض رحلات قدمت له من امراء وملوك عرب واجانب، وعند افتتاح اذاعة برلين بألمانيا جاءته دعوة رسمية من القائمين عليها لافتتاحها فرفض وتكرر الامر في اذاعة مونت كارلو بباريس ولندن، كما رفض دعوة مهراجا هندي، نهاية الثلاينيات، لإحياء ليالي رمضان هناك مقابل مبلغ مالي كبير وصل لـ100 جنيه في الليلة الواحدة، وضاعف المهراجا المبلغ اعتقادا منه أن الشيخ يرغب في المزيد، ولكن الشيخ أصر على الرفض، دون أن يسمع نصيحة الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان يشجعه على السفر.

* وكيف تزوج الشيخ محمد رفعت؟

بعدما أصبح معروفا وله مورد رزق، أراد والداه ان يفرحا به ولم يكن أكمل السادسة عشرة من عمره، واشترطت امه ان تكون الزوجة «عفية»، تمتلك صحة وقادرة على التحمل، ومن ذوات الأصل الطيب حتي تتحمل ظروف ابنهما الكفيف، وتزوج بالفعل من فتاة من قرية «الفرعونية» بالمنوفية، ذات جذور طيبة، وعاشا معا حياة هادئة سعيدة ويحكي والدي ان والدته كانت سيدة منظمة كثيرا نظيفة جدا تحب منزلها وابناءها بشكل كبير وكان لديها مساحة كبيرة من العطاء مما ساعد ذلك زوجها على النجاح والتفرد في مجال قراءة القران الكريم، فقد كانت خير سند وعون له، وانتقلت الأسرة من حي المغربلين إلى منزل جديد بالسيدة زينب التي احبها الشيخ كثيرا وردد ان مجاورتها تجلب البركة وتحديدا بمنطقة البغالة، حيث بنى الشيخ بيتا من 3 أدوار: الاول للضيوف والاصدقاء والثاني لاسرته والثالث كان يضع فيه اشياء البيت، واستمرت اسرة الجد في هذا المكان، وخصص فيما بعد شقة لكل ابن، لأنه كان يحب وجود ابناءه حوله، وعاشوا معا حتي توفاه الله.

* ومن كانوا أقرب الأصدقاء له؟

كان اقربهم الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكان يجمعهما لقاء اسبوعي بمنزل الشيخ رفعت، كما كان معا في معظم المناسبات الهامة بالدولة، وظل عبدالوهاب صديقا لوالدي بعد جدي، وكان والدي ياخذ رايه في كل أمور الاسرة وخاصة تراث الشيخ رفعت وأعماله الخالدة، وهناك اصدقاء كثر كانوا قريبين من جدي مثل السياسي فكري اباظة ومحمد التابعي والشاعر الكبير احمد شوقي وكامل الشناوي وزكريا احمد، ومطربة القطرين فتحية احمد، كما ارتبط به بشدة في اخر أيامه نجيب الريحاني، الذي كان يأتيه منزله يوميا أثناء مرضه، وحرص الريحاني على اصطحاب جدي لخارج المنزل، فيركبا «الكارتة» الخاصة بالشيخ ويتحركان للفسحة في القاهرة، كذلك صالح عبدالحي، وكانت ام كلثوم تتعلم منه وهى صغيرة، الأصوات ومخارج الحروف، ولم يبخل عليها ابدا لكنها تنكرت له، في مرضه الذي استمر 8 سنوات، وزاره اصدقاؤه وتلامذته، وحاولوا مساعدته والتخفيف عنه، لكنها اهملته، ولم تذكر حتى فضله عليها مطلقا، ولم يذكر جدى ذلك، فهذا ما عرفته من والدي واعمامي، في الوقت الذي قال فيه عبدالوهاب «انا خادم تحت اقدام الشيخ رفعت»، وهو ما يؤكد آصالته وحسن خلقه.

* وكيف كانت فترة المرض؟

اصيب قبل وفاته بـ8 سنوات، بمرض «الزغطة»، واستمر في عمله كقارىء حتى اشتد عليه المرض، فمنعه من التلاوة، فقرر التوقف عن العمل قائلا: «مينفعش اضايق الناس وانا بقرأ»، وجلس في منزله بعدها دخل في مشاكل صحية أخرى منها التهاب رئوي حاد وضغط الدم واستمر الامر سنوات طويلة كان خلالها الشيخ قعيد البيت لا يغادره إلا للصلاة أو للفسحة احيانا بعد ضغط اصدقائه حتي وافته المنية 9 مايو 1950 وهو نفس يوم مولده، عن عمر يناهز 68 عامًا.

* وهل كان له مرتب أو معاش من الاذاعة أثناء فترة مرضه؟

للاسف لم تقدم له الاذاعة شيئا خلال تلك الفترة العصيبة، فقد كان النظام وقتها تعاقد شهري نظير القراءة وعندما توقف الشيخ عن العمل بسبب مرضه توقف التعاقد وبقي دون دخل، وللعلم لم يجمع الشيخ رفعت مالا مطلقا، فقد كان زاهدا في الدنيا، يأخذ القليل ويكره المغالاة مقابل ما يقدمه ويقول ان آيات الله لها بركة وعطايا كثيرة من المال، وظل بالمنزل ينفق من بقايا ما حصل عليه اثناء عمله حتي استنفذها لدرجة ان مجلة المصور تقريبا جاءت اليه وقامت بتصويره وهو طريح الفراش وكتبت عنه كلاما جميلا واختتمته بأنه «يرقد في سريره في ظروف مادية صعبة» فطرح أحبابه فكرة الاكتتاب من اجل دعم الشيخ رفعت ماديا، وجمعوا له أكثر من 5 آلاف جنيها، كانت كافية لشراء عزبة من الأف فدان، وقتها، لكن الشيخ حزن وشعر بالضيق، وقال «اعطوه للفقراء، فأنا مازلت قادرا على الحياة» مما جعل زكريا باشا مهران، وكان ممن لهم حيثية وكيان رسمي في الدولة، قدم للإذاعة تسجيلات نادرة للشيخ مقابل معاش شهري ثابت له، عشرة جنيهات، وبعد الروتين الحكومي والجذب والشد تم اعتماد المعاش لكن الشيخ رفعت كان قد توفاه الله ولم يستفد منه جنيها واحدا، وقد زار والدى واخواته اسرة زكريا باشا وحصلوا منهم على تراث والدهم من تسجيلات نادرة، ما يؤكد ان الدنيا ما زالت بخير.

--واين هذا التراث حاليا؟

موجود لدينا وقدمنا منه جزءا للاذاعة لكنها اهملته، رغم أننا عرضنا عليهم مساعدتهم في توثيق التسجيلات وتواريخها دون جدوى، رغم وجود أكثر من 30 ساعة لديهم بصوت الشيخ رفعت وبتقنية ممتازة، لكنهم خذلونا مرارا وتكررا وتقدمنا بشكاوي عديدة ضربوا بها عرض الحائط، ولدينا ضعف ما قدمناه للإذاعة من تسجيلات جميلة ونادرة، نتمني ان يكون لها حظ في الاذاعة المصرية، وقد رفضنا بيعها لدول عربية واسلامية طلبتها مقابل عائد مادي ضخم لكننا نسير على درب ومبدأ جدنا الشيخ رفعت.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المصري اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المصري اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق