اخبار مصر اليوم - ابنة «مختار التتش»: والدي أرسي قيم ومبادئ الأهلي.. وصالح سليم شيدها (حوار)

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

اشترك لتصلك أهم الأخبار

«خدمة النادي لا تتطلب أن يكون صاحبها رئيسا له.. والاعتذار يقدم من جانب المخطئ فقط».. عبارات قالها قديماً مختار التتش أحد رواد النادي الأهلي، الذي بات اسمه يردد يوميا منذ أن أطلق على ملعب الأحمر بالجزيرة تخليدا لذكراه وتكريما على ما قدمه من عطاء تجاه بيته الكبير «الأهلي»، كما وصفته وذكرته نادية ابنة «التتش»، في حوار لـ«المصري اليوم» ضمن سلسلة «رحيق العباقرة»، حيث فسرت لنا معنى لقب «التتش» بأنه «البهلوان»، وكشفت عن كواليس الأزمة التي أدت إلى تسريح فريق الأهلي عام كامل بعد سفره إلى فلسطين دون موافقة اتحاد الكرة ورفض والدها الاعتذار عن موقفه.

نادية التتش شرحت لنا كيف استطاع والدها أن يرسي مبادئ وقيم الأهلي، وهو ما سار عليها من بعده وشيدها صالح سليم، وفسرت لنا رؤيته في عدم الترشح لرئاسة النادي وقبل كل ذلك نشأته وعلاقته بسعد زغلول وأم كلثوم وفاتن حمامة والمعجبات.. وإلى نص الحوار:

* في البداية من هم أفراد الأسرة الصغيرة لمختار التتش؟

- والدي أنجب بنتين، أنا وماجدة، وحصل كل منا على بكالوريوس تجارة، وقد أكرمنى الله بولدين خريجي هندسة، وأنا وشقيقتي نعيش حاليا في القاهرة.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* ماذا عن ارتباط مختار التتش بزوجته في بداية مشوارهما معا؟

- والدي من الإسكندرية، وكان صديقا لشقيق والدتي، وهي أسرة أهلاوية، وحرصا على مشاهدة المباريات في الملعب امتلكت أسرة والدتي عوامة قريبة من مبنى النادي الأهلي، وكانت تقضي معظم وقت فراغها داخل النادي، وبينما كانت ذات مرة بصحبة شقيقها داخل النادي رآها والدي، وكانت المرة الأولى التي يشاهدها عن قرب، وبعد هذه الصدفة فاتح صديقه برغبته في الارتباط، الذي ما لبث أن أخبر أسرته التي رحبت بالعريس، وانتهى الأمر بزواجهما، وعاشا معا حياة سعيدة، وظل والدي حتى وفاته يعاملها بأنها شريكة له في كل نجاحاته، وذكرها دائما بأنها أول من ساعدته على ما وصل إليه بتوفيرها أجواء هادئة يغمرها الحب والألفة، أدى ذلك إلى أن تتضاعف وتتعاظم طموحاته وتوالت معها النجاحات لدرجة أن والدي أحب إنجاب الفتيات.

* ماذا تقصدين بأنه أحب إنجاب الفتيات؟

- بعدما عاش مع والدتي وشعر معها بالسعادة وباتت حياته مريحة هادئة، تمنى أن ينجب بنتين، وأصبح يدعو في كل أوقاته إلى أن يرزقه الله بطفلتين، وفسر ذلك بأنه يعيش تجربة زوجية ناجحة، مما جعله يحب البنات أيضا.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* وكيف كانت نشأة مختار التتش؟

- أخبرنا والدي أنه كان مولعا بلعب الكرة منذ نعومة أظافره لدرجة أنه صمم طريقة لممارستها داخل غرفة نومه، حيث ربط الكرة وهي داخل شبكة صغيرة بخيط طويل، وقام بتثبيتها في السرير النحاس، وبات يضربها بأقدامه ورأسه كلما دخل أو خرج من الغرفة، وظهرت موهبته وهو لا يزال تلميذا بالمرحلة الابتدائية بمدرسة محمد على، إلى أن انتقل للمدرسة السعيدية وكان ضمن فريقها الكروي، وهناك اختاره أحد كشافي النادي الأهلي وتم ضمه للنادي، وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، وتم تصعيده للفريق الأول بالنادي في عام 1922، وجاءت أول مشاركة رسمية له أمام نادي الطيران الإنجليزي في الكأس السلطانية، والتي فاز فيها الأهلي بهدفين مقابل هدف واحد، وأحرز «التتش» هدفا في هذه المباراة، ثم ما لبث أن وقع اختيار الجهاز الفني لمنتخب على الفتى ابن الـ17 عاما، وأصبح من أعمدة المنتخب، واستمر لمدة تقرب من 18 عاما تقريبا «كابتن مصر» والنادي الأهلي، وشارك في 3 دورات أوليمبية، الأولى عام 1924 بباريس بعد وقوع مشكلة كبيرة لم تحل إلا بتدخل الزعيم سعد زغلول، والثانية عام 1928 بأمستردام، والثالثة 1936 ببرلين، وأيضا شارك في كأس العالم في عام 1934، وهي أول مشاركة لمصر في نهائيات كأس العالم في إيطاليا.

* وما هي ملابسات أزمة مشاركته في الدورة الأوليمبية بباريس عام 1924؟

- كان لاعبا أساسيا في المنتخب الوطني، وكان الجهاز الفني للمنتخب يعقد عليه آمالا كبيرة لقدراته الفنية العالية وإخلاصه في الملعب، لذلك حضر مع المنتخب فترة الاستعداد لتلك البطولة، وقبل السفر بأيام فوجئ الجميع بأن هناك «امتحانات الكفاءة» تنتظر «التتش»، وتزامنت مع انطلاق الأوليمبياد، وللأسف نسى الجميع التفكير في الأمر مسبقا، مما أدى إلى أزمة كبيرة حيث رفضت إدارة المدسة ما يسمى «امتحانات الكفاءة»، وهي تعادل الشهادة الثانوية تقريبا، أن تعطي له استثناء بتأجيل الامتحانات لما بعد عودته من باريس، وكان عليه أن يختار ما بين الانصياع إلى امتحاناته التي هي عنق الزجاجة لمستقبله وبين وطنه ومشاركته منتخب بلاده في البطولة الكبرى، واختار «التتش» أن يشارك مع المنتخب ويهمل الامتحانات، ولكن والده رفض، وقال له: «مستقبلك أهم»، ولم يكن يستطيع مخالفة والده، وظل حزينا إزاء تعنت إدارة الامتحانات التي لم تقبل أي تدخلات من المسؤولين والكرويين والمحبين، ورفضت تماما إعطاءه أي ميزة، وأصرت على موقفها حتى تصاعدت الأزمة، وفجأة تدخل رئيس الوزراء الزعيم سعد زغلول، وأصدر قرارا استثنائيا بعمل امتحانات للاعب بالمفوضية المصرية بباريس، على أن يشارك في الأوليمبياد، وتم بالفعل وتألق في تلك البطولة وذاع صيته في كل مكان، بعد أن فازت مصر على البرتغال بهدفين مقابل هدف، وقد أحرز والدي هدفي مصر، وأصبح حديث الصحف الأجنبية، وتم اختياره أفضل جناح أيسر في العالم، ووقع عليه الاختيار ضمن تشكيل فريق العالم في هذا التوقيت، كما تم اختياره مجددا ضمن أحسن 11 لاعبا على مستوى العالم في أوليمبياد 1936، وبعدها بدأ يفكر جديا في الاعتزال حتى اتخذ قراره ونفذه في عام 1940، وباءت جميع محاولات إثنائه عن قراره بالفشل.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* وهل كان جدك غير مقتنع بموهبة ابنه؟

- ليس عدم اقتناع من الجد بموهبته وإمكانيات والدي بقدر كونها ثقافة موروثة، تكن الكرة تمنح الأموال والشهرة مثلما الحال الآن، بل كان اللاعبون القدامى يصرفون على لعب الكرة من جيوبهم، وبشكل عام كانت الأسر ترى أن التعليم والدراسة أهم من أي شيء في الدنيا، خاصة أن والده ينتمي لأسرة ثرية، فهو طبيب مشهور، وله دخل وصاحب أملاك، وجعل اهتمامه على تعليم أبنائه فلم يكن له سوى ابن وابنة، وحكى لي أبي أن والده كان يرى في الكرة مضيعة للوقت والجهد وضياعا للمستقبل، وكان يقول له لن تجني من ورائها أي فائدة، ولذلك منعه كثيرا من اللعب في البداية وكان مشغولا بإبعاده عن الاندماج فيها خوفا على مستقبله التعليمي، لكن الأمر لم يستمر طويلا بعد أن وجد اسم ابنه يتردد في كل مكان، حيث يقول أبي إن والده كان يدخل المنزل ويحكي له عن انبهار أصدقائه، وكذلك المسؤولون والناس في كل مكان باللاعب مختار التتش، وأيقن وقتها أن ابنه يمتلك موهبة فذة أصبحت حديث الكافة، فأطلق له العنان، بل وأصبح مشجعا وداعما له في كل الأوقات، بشرط أن يحافظ على تعليمه حتى النهاية دون إهمال أو تقصير، وقدر الشاب موقف والده، وحافظ على رغبته في إتمام تعليمه، وبالفعل حصل على كلية الحقوق وهنا تكمن حكمة وذكاء الأب، الذي اكتشف قدرات ابنه قبل فوات الأوان ولم يعاند الواقع ويقف حائلا بين ابنه وموهبته، فأصبح حافزا داعما له، وعلى الجانب الآخر حافظ على كلاسكيات الأسر المصرية بضرورة أن يحصل أبناؤها على قدر جيد من التعليم، كما شرح لي أبي وهو يذكر فضل والديه عليه، ويقول دفعاني لمستقبل كبير مليء بالنجاحات.

- بالمناسبة ما هي الأماكن التي عمل فيها والدك بعد تخرجه؟

- أتذكر أنه التحق بالعمل كمستشار قانوني بالسكة الحديد ولم يمكث فيها طويلا، حيث انتقل إلى العمل بوزارة الرياضة واستمر فيها حتى بلغ سن التقاعد، وهو وكيل أول الوزارة، ويُحسب له إنشاؤه للقانون الأول للرياضة.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* وكيف استطاع «التتش» أن يوازن وينجح في 3 اتجاهات، هي «العمل والأهلي والمنزل»؟

- والدي كان شخصا منظما لأبعد الحدود ويحب العمل بدرجة لا توصف، وقد اعتاد أن يستيقظ مبكرا إلى عمله بوزارة الرياضة، ثم يخرج من الوزارة على النادي الأهلي وكأنه منزله، حيث يقضي داخله وقتا طويلا بداء من الساعة الثانية بعد الظهر حتى الثامنة مساءا تقريبا، ويعود بعدها إلى منزله الثاني ليبدأ وقت الأسرة، وكان عندما يدخل من باب الشقة تجد البهجة والسعادة تعلو وجهه، ويقابلنا بمنتهى الترحاب والفرح، ثم نتناول طعام الغذاء جميعا وتبدأ الجلسة الأسرية، وتستمر ساعات يتابع خلالها أمورنا ومتطلباتنا، ويحل لنا المشاكل فقد كان صاحب عقل حكيم، ويستطيع أن يتخذ قرارات مصيرية وله شخصية مقنعة مؤثرة يؤمن بالفصل بين العمل والمنزل والنادي، وقد ساقته تلك القدرات الخاصة إلى النجاح في الجوانب المختلفة لدرجة أنه كان صاحب هواية أخرى غير كرة القدم، حيث أحب الهوكي بعد أن اعتزل الكرة وكان يمارسها في النادي باستمرار، وكذلك لعب التنس والإسكواش، وحرص أيضا على استقطاع جزء من وقته لهذه الأشياء، فضلا عن مداومته على التمرين السويدي والجري يوميا داخل النادي ولم ينقطع عن هذا البرنامج حتى وفاته.

* ما سر تسمية والدك باسم «التتش»؟

- والدي اسمه محمود مختار محمد رفاعي، ولا توجد كلمة «تتش» في تسلسل الاسم نهائي، ولكنها كلمة بريطانية تعني «البهلوان»، وأطلقها عليه المندوب السامي البريطاني الذي كان معجبا بمهارات ولعب والدي قديما، وأصبح المندوب البريطاني ينادي أبي كلما رآه بـ«التتش»، ويقول له «هالو تتش» لدرجة أن زملاءه اعتادوا مناداته بنفس اللقب «يا تتش»، حتى التصق هذا الوصف عليه وبات معروفا بمختار التتش.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* وما هي أسباب إطلاق اسم مختار التتش على ملعب النادي الأهلي بالجزيرة؟

- حدث ذلك بعد وفاته، حيث شيد مسؤولو الأهلي لوالدي تمثالا كبيرا في مدخل النادي تكريما له، واقترحوا إطلاق اسمه على ملعب الأهلي بالجزيرة تكريما لما قدمه للقلعة الحمراء من عطاء ووفاء وتفانى منذ صغره حتى وافته المنية، وأكثر من ذلك أنهم منحوا أسرتنا عضويات فخرية، وهي تستمر مدى الحياة تقديرا لتاريخ والدنا رحمة الله عليه، وهي فعلا أخلاق تميز بها الأهلي عن غيره من حيث تقدير واحترام من ساهموا في رفعة وعلو شأن النادي، والغريب أن هناك من الجمهور من يعتقد أن الأرض التي شيد عليها نادي الأهلي بالجزيرة، هي ملك لمختار التتش، وهذا غير حقيقي.

* ماذا عن الأشياء التي أحبها مختار التتش؟

- أدمن الشيكولاتة، واعتاد شراء كميات كبيرة من الخارج أثناء سفره، وكان يشعر بالسعادة عندما يخبره زملاؤه باستجلابها له من الخارج، وقد كانت أنواعها محدودة بمصر في ذلك الوقت، أيضا عشق الفاصوليا مع الرز، وكانت أكلته المفضلة دائما، ولا يمكن نسيان اهتمامه بالملابس وشغفه باللبس الجديد، وكان له ترزي مخصوص من أشطر الموجودين بالقاهرة، وقد خصص والدي غرفة للملابس ولقد رأيته دائما أنيقا مهندما مشعا بجمال الروح والملبس، وكان نظيفا لأبعد مدى يهتم بالنظافة الشخصية وتفاصيل المنزل، وأيضا حرص على تعليم أبنائه تلك الصفة، كما أحب السينما، وقد ذهبنا كثيرا معه إلى السينما وكانت وقتها فسحة السينما شيء رائع جدا، وأيضا أحب توزيع النقود الجديدة، فقد كان كريما جدا، وحرص على أن تكون بمحفظته فئات مختلفة النقود اللامعة، ويقوم بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين في كل مكان.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* وماذا عن تشجيعه لأسرته الصغيرة لممارسة الرياضة؟

- غرس داخلنا حب النادي وممارسة الرياضة لدرجة أنه يقول: «مفيش حاجة اسمها تروحوا النادي تقعدوا وخلاص، الأفضل ممارسة الرياضة»، لذلك تعودنا على أن نذهب من أجل الرياضة أولا، ومارست أنا وشقيقتي «ماجدة» الجمباز والسباحة والتنس والجري، لدرجة أننا نكاد نكون لعبنا معظم الرياضات داخل النادي الأهلي، الذي كان يقول عليه والدي البيت الكبير، وكان من أهم صفاته أنه محافظ، بمعنى عندما نذهب للنادي كان يقول لنا: «بلاش شعر منكوش.. والبسوا أشياء بسيطة تكونوا راقيين».

* ما أبرز صفاته الشخصية؟

- شديد بلا قسوة، ولين بلا ضعف، فمثلا كنا نعمل له حساب وفي الوقت نفسه نشعر معه بالدفء، وكان كثير «الدلع» لنا، فهو شخص طيب برغم عصبيته في بعض الأحيان كونه «يكره الحال المايل»، فلا يستطيع رؤية شيئا خاطئا أو موقفا سيئا، حيث تشاهد ثورة وبركان وكأنه سيفجر المكان منحازا للصواب مهما كلفه ذلك، ولم يحسب أبدا عواقب انفعالاته وتضامنه مع الصواب ضد الخطأ، ومعروف عنه أنه أول من أرسى مبادئ وقيم الأهلي التي سار على دربها من بعده، وأبرزهم الخلوق الرائع صالح سليم رحمة الله عليه، فهناك مواقف لا تنسى في حياتنا رأيت فيها والدي، وهو مصمم على مبادئه التي تربى عليها وتعلمها في الحياة، فعلي سبيل المثال كنت قد توقفت عن اللعب في السباحة بالأهلي، نظرا لارتباطي بالدراسة ووجدتهم يطلبونني ويقولون لي تم إدراج اسمي ضمن فريق النادي لخوض بطولة خلال أيام، فاعتذرت، وعندما وصل الأمر لوالدي لا يمكن أن أصف لك غضبه وانفعاله، وأتذكر جملته الشهيرة: «الأهلي ماحدش يقوله لأ، النادي لما يطلب حد يفرح ويجري عليه»، وبالفعل ذهبت ودخلت السباق وحققت رقما في البطولة، أيضا كان زاهدا في المناصب لم يسع لموقع قيادي، عاش معتزا بنفسه وشخصيته محافظا على كرامته وكرامة ناديه، واشتهر بكرمه الشديد وتواضعه الجم ووده لكل من يقابله، ودعمه للشباب والناشئين.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* اذكري لنا موقفا آخر مازال عالقا بذهنك عندما كنتِ بجوار والدك؟

- أثناء عودتنا من النادي الأهلي إلى منزلنا وكنا بداخل السيارة أنا وشقيقتي ووالدتي، وتحديدا أمام مبنى الأوبرا الحالية، وكانت الليلة شديدة البرودة، وبالرغم من صعوبة الجو، إلا أننا فوجئنا بأبي يوقف السيارة وينزل منها، ويقوم بخلع «البالطو والبلوفر» الذي يرتديهما، وعندما سألناه: «ماذا تفعل، فأجاب ثواني وجاي»، وانطلق نحو شخص جالس شبه عاري بجوار الحائط في عرض الرصيف، وقام بوضع الملابس على كتفيه ثم عاد إلينا بقميصه، وقال: إن «الجو صعب جدا، وهذا الرجل مسكين يجلس مستقبلا الصقيع دون قدرة على رده، ولا يجوز أن نتركه وحيدا أمام برد الشتاء القارس، ويجب علينا مساعدته».

* هل هناك سر خفي في ابتعاده عن رئاسة النادي الأهلي؟

- كما قلت لك والدي كان إنسانا زاهدا في المناصب، لم يسع أبدا للفوز بمقعد أو تولي موقع قيادي، فقد رأى أن المناصب لا تعطى للشخص، بل يمكن أن تأخذ منه، والعكس صحيح، الإنسان يمكن أن يكون أفضل من أي منصب في الدنيا، وكثيرا ما طالبه محبوه داخل وخارج النادي في الترشح على موقع رئاسة النادي، وبعد أن عرفوا وتيقنوا من شخصيته تعاملوا معه على أنه أكبر من أي موقع قيادي، ولك أن تتخيل هذه الصفات انعكست في المنزل مع أهله، فهناك قصة لطيفة ملخصها أن والديه قررا قبل وفاتهما أن يكتبا تركتهما مناصفة لابنيهما، وهما مختار وشقيقته، ولم يعترض بل كان فرحا بما حدث لدرجة أن هناك من حاولوا دفعه بعد والديه إلى تغيير تقسيم التركة، لأن الأوراق كانت بحوزته فرفض، وقال: «لا يمكن أن أقوم بتغيير شيء أراده أبي وأمي، وقرر أن ينفذ رغبتيهما، وأعطى شقيقته نصف الأرض والأموال التي تركها والديهما»، وهو دليل كبير على ترفعه عن امتلاكه للأشياء، ولقد ضرب خير المثل في قدرة الإنسان على العطاء دون أن يكون مسؤولا أو رئيسا، فالعطاء يمكن أن يقدم من أي شخص طالما هناك الرغبة.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* ماذا عن النساء في حياة مختار التتش؟

- كان محبا لأمي جدا، وكان بيحترم مشاعرها لأبعد مدى، وفي المقابل حرصت هي الأخرى على احتوائه كثيرا، خاصة وهو لاعب مشهور محبوب وله معجبات كثيرات من داخل وخارج مصر، فاستوعبت الزوجة ذلك، واستطاعت أن تحافظ على الحب الكبير الذي شهد له الجميع بالرقي والجمال، أيضا حكت لي أمي أن الوالد كان له صديقات، أبرزهن السيدة أم كلثوم، والتي حاولت كثيرا إثناءه عن قرار اعتزاله، لكنها لم تفلح، وقال لها عندما كررت طلب بقائه في الملاعب: «الإنسان لازم يترك موقعه في الوقت الذي يبلغ فيه القمة، ويكون غير قادر على تقديم أفضل مما أعطى، وأنا الآن في تلك المرحلة، ولابد أن أعتزل»، وأتذكر أن والدي اصطحبنا معه مرات كثيرة لحضور حفلات «الست أم كلثوم»، وكان له أيضا صديقات من الوسط الفني، مثل فاتن حمامة، الذي كان معجبا بفنها، كما كان له أصدقاء وصديقات من الوسط الرياضي وعموم المجتمع.

* من أقرب أصدقاء والدك؟

- حسين حجازي، لاعب الأهلي، الذي انتقل للزمالك، وأيضا أحب صالح سليم جدا رغم الفارق العمري بينهما، خاصة أن «صالح» اعتاد زيارة والدي وكان مهتما به لدرجة كبيرة، وأتذكر أن «صالح» كان مسافرا للعب خارج مصر واقترب موعد السفر، وعلم أن «التتش» مريض فأصر على زيارته قبل سفره، وحضر بالفعل واطمأن على والدي، أيضا من أقرب أصدقائه كان فكري باشا أباظة، وكمال حافظ، وعائلتي مدكور والشريعي، وحسين الشافعي، وإبراهيم الوكيل وغيرهم كثيرين.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* هل تتذكرين كيف كان يعيش ليلة خسارة الأهلي، خاصة من الزمالك؟

- كان قويا عنيدا لم تتملكه مشاعر الضعف بعد الهزيمة، واعتاد بحث الأخطاء وتداركها، ولا أنسى قوله لنا داخل المنزل عندما نكون في حالة حزن عقب أي هزيمة: «الحزن والدموع لا تفيد، المهم نفكر إزاي ده ما يحصلش تاني»، وكان خير داعم لكل الإخفاقات داخل أو خارج النادي، حتى إن اللاعبين والجهاز يحرصون على سماع كلماته دائما قبل وبعد أي مباراة، لإيمانهم الشديد بحكمته وقوة عزيمته، التي كانت أبرز سماته الشخصية.

* ما هي كواليس مشكلته مع رئيس اتحاد الكرة، والتي نتجت فور سفره لفلسطين؟

- جاءت دعوة من فلسطين لفريق الكرة بالنادي الأهلي لإقامة مباراة هناك تكون بمثابة دعم للفلسطينيين ضد الاحتلال، وقرر الأهلي السفر، بينما رفض ذلك حيدر باشا، الذي كان يشغل وزير الحربية، ورئيس اتحاد كرة القدم، ورئيس نادي الزمالك، على القرار، وجاء رد مختار التتش عليهم قائلا: «الأهلي هيسافر ويساند فلسطين»، وبالفعل استجاب لاعبو الأهلي لقائدهم مختار التتش، وسافروا وعندما عادوا وجدوا قرارا بإيقاف الفريق، وتدخل كثير من الشخصيات المرموقة لحل الأزمة، وكان طلب رئيس اتحاد الكرة هو أن يقدم الفريق وعلى رأسهم مختار التتش اعتذارا رسميا له على سفرهم بدون موافقته، وعندما علم «التتش» قال جملته الشهيرة: «اللي يعتذر إنسان أخطأ ونحن لم نخطئ لدعمنا فلسطين، ولذلك لن نعتذر»، مما أدى إلى تسريح الفريق ما يقرب من عام كامل، بعدها لاقى الاتحاد انتقادات كبيرة من إبعاد الفريق عن اللعب، فما كان من الجميع إلا النزول على موقف «التتش»، وعاد الفريق للعب مرة أخرى.

المصري اليوم تحاور نادية مختار التتش

* وما أسباب وفاته؟

- ارتفاع مفاجئ في الضغط ولم يفلح صديقه الدكتور إبراهيم الوكيل في إسعافه، وتوفى في يوم 21 ديسمبر من عام 1965 عن عمر يناهز الـ60 عاما.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المصري اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المصري اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق