اخبار الامارات اليوم العاجلة - فن مجاراة القوافي والوجدان

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة

ما أجمل المجاراة الشعرية التي تكون بين أب وابنه؛ لأنه يبين في كلماتها وصياغتها ومعانيها نبض الحس والوجدان.

وذلك ما هو واضح في مجاراة صاحب السمو الشيخ آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، لولي عهده ونجله سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، في قصيدته التي وجهها إليه، ولا شك فإن حرارة الصدق ونبض الإحساس يفيضان من خلالها كأوضح ما يكون هذا التأثير في نفس القارئ.

يبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قصيدته كعادة الشعراء حين يردّون أو يجارون قصائد غيرهم بالترحيب بهم أو بقصائدهم، وهنا فإن سموه يرحب بسمو الشيخ حمدان بن محمد ترحيباً حاراً وكبيراً في قوله:

يــا مـرحـبا يـا عـريب الـجد مـاحر طـار

ولأحـــرار بـأفـعـالها تـــدرك مـطـامـيحها

أي يا مرحباً بك يا أصيل الجدود، إذ عبّر عن هذه الأصالة بالعريب، أي الضارب في أطناب النسب، وذلك لا شك مدح وأي مدح، فإنك حين تمدح سلف الإنسان وجدوده، فإن ذلك المدح ذاته يمتد إليه بالضرورة.. ولم يجعل الشاعر هذا المدح واحداً، وإنما هو يعدده بعدد ما طار من الصقور، وحدد نوع هذه الصقور بالحرار، وهي أجودها وأغلاها وأقدرها على الصيد، ليكتسب من هذه الجودة، جودة مدحه.

وعادة ما يبالغ الشعراء في إزجاء المديح بمثل هذه الأعداد لبيان الكثرة في المدح وجعل الشاعر هذا المدح مرتبطاً بطير الحر، وذلك أجمل وأبلغ في المدح لأن ميزة الحرار تظهر حال طيرانه وانقضاضه على صيده وتميزه في تلك الحالة التي اقتنصها الشاعر للطيران الحر وجعل بعددها ترحيباً بابنه سمو الشيخ حمدان بن محمد.

معنى دقيق

وبيّن الشاعر في الشطر الثاني سبب ربطه المدح بأعداد ما طار الحر وحلّق في الفضاء، بأن الحر من الطيور التي هي قادرة بأفعالها على أن تدرك مطامحها ومقاصدها من صيد الطيور؛ لأنها بمثل هذا النوع، الذي هي عليه (أي الحرار) مؤهلة لهذا القنص. وقول الشاعر: «تدرك مطاميحها» أي تدرك وتحصل على مقاصدها وأهدافها، ولم يجعل الشاعر ذلك الهدف واحداً، وإنما فتحه على العموم في هذه الأهداف، أي أنه على كثرة هذه المقاصد والمطامح فإنها قادرة على تحقيقها جميعها دون استثناء أو صعوبة عليها.

وجمع الشاعر الحرار بقوله: «والاحرار بأفعالها» أي لم يشأ أن يجعل ذلك مرتبطاً بحرّ واحد حتى لا يكون ذلك ميزة لهذا الحر وحده، وإنما جعل ذلك لمجموع الأحرار ليربط هذه الميزة بهذا النوع من الصقور دون تخصيص في واحد معين منها. وذكر الشاعر نتيجة فعل هذه الطيور بقوله: «تدرك مطاميحها» أي تحصل على أهدافها وتحقق مقاصدها.

والإدراك هو التمكّن من الشيء، أي أن هذه الطيور تستطيع بكل قدرة وفاعلية من إدراك أهدافها الكثيرة، ذلك الإدراك الشامل والتام. وقوله: «مطاميحها» ذات معنى دقيق، أي مهما كان عدد هذه المطامح ونوعها، فإن الحرار قادرة على تحقيقها وإدراكها.

وإذا تـعلت تـسامت فـوق شـمس الـنهار

فــــلا تـنـزلـهـا مــــن الـعـلـيا تـلاويـحـها

ويستغرق الشاعر في مدح الحرار لينتج من ذلك سمو ورفعة مدحه لنجله سمو الشيخ حمدان بن محمد، وتميز هذا المدح فيه، فهو هنا يصف الحرار بأنها إذا طارت وتسامت في الطيران، فإن المدى مفتوح أمامها لترتفع في طبقاته ولتتسامى فيه لتصل إلى الشمس مبالغة من الشاعر في هذا المدح وعلو همّة هذه الطيور التي ربط المدح بها وبصفاتها، بحيث يصل الشاعر بطيرانها وتعلّيها إلى الشمس.

وفي ذلك مبالغة جميلة يستوعبها ومدح لقوة وهمّة هذه الطيور التي تصل إلى هذا المدى المرتفع، وتطل من هذا العلو لترقب صيدها وتختاره لتنقض عليه وتفترسه.

حيث إنه لا ينزلها من هذا العلو إلا الصيد المتيقن لديها دون مجرد التلاويح التي لا تقيم لها بالاً. وذلك مدح لمدى فهم هذه الطيور ومعرفتها بالصيد وتفرقتها بينه وبين مجرد التلاويح، وهذا جانب مهم من مدح هذه الطيور التي رحب بأعداد طيرانها بابنه سمو الشيخ حمدان بن محمد وبفاعليتها وقدرتها المفاجئة على الصيد وفهمها له.

أهـديـتـنا م الـمـعـاني مــن لـجـوم غــزار

كــنـوز شــعـر وفـــي يـديـنـك مـفـاتيحها

وهنا يسجل الشاعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد انبهاره بالمعاني الجميلة والكثيرة التي أهداها له سمو الشيخ حمدان بن محمد في قصيدته التي أعجب بها وحازت على رضاه وقبوله وأشاد بها هنا إشادة بالغة لكثرة معانيها في قوله: «من لجوم غزار».

وحقيقة، فإن كلمة لجوم لأول مرة تمر على سمعي، أتمكن من معرفة معناها والمقصود منها المجرد، وإنما أخذته من قول الشاعر غزار، أي بمعنى أن المعاني كانت غزيرة وعميقة وكثيرة، بحيث وصف الشاعر كل ذلك بقوله «غزار»، وذلك ما يدل على أن وفاض الشاعر مليء بمثل هذه المفردات النبطية التي ربما تغيب عن ذهن دارس مثلي في الشعر النبطي، وأقول ذلك حقيقة ولا أدّعي فهم ما يغيب عني من بعض معاني المفردات النبطية وليس في ذلك أدنى غرابة أو قصور، وإنما هو إجلاء لحقيقة الأمر دون ادعاء.

ويرفع الشاعر مقدار ما لدى ابنه سمو الشيخ حمدان بن محمد من المعاني التي أهداها له يبين ذلك في قول الشاعر: «اهديتنا م المعاني من لجوم غزار»، أي هذه المعاني التي يمتلئ وفاضه الفكري بها، وفي ذلك مدح لمدى ثقافة ومعرفة سمو الشيخ حمدان بن محمد.

ولـــي عــهـدي وذخــري لـلأمـور الـكـبار

مـع إخـوتك وإنـتوالها الـدنيا مصابيحها

مــن بـيـت عـالـي مـقامه مـايجيه الـعثار

مــكـتـوم ونــهـيـان جــدانـك رجـاجـيـحها

وقد لفت نظري هذان البيتان من القصيدة، بحيث وقفت أمامهما متأملاً في معانيهما وصياغتهما وما يحملانه من زخم عاطفي وودٍّ لا ساحل له من والد يخاطب ولده في ردِّه على قصيدته بقوله: «ولي عهدي وذخري للأمور لكبار».

حيث لا يكتفي في مخاطبته بولي العهد فقط، وإنما يجعله ذخره فيما يعول عليه في هذا الشأن، أي يعتبره كالكنز الذي يدخره للمستقبل ويعتمد عليه في ذلك وقت الحاجة إليه، بحيث يلبي له هذا المطلب في قابل أيامه، وهو لا يريده للأمور البسيطة وإنما يدخره للأمور الكبيرة والشؤون الثقيلة التي يحتاج فيها إلى وقفة ابنه معه والقيام بما تمليه عليه حقوق الأبوة له من مسؤوليات جسام.

ولم يفصل الشاعر في نوع هذه المسؤوليات والأمور ونطاق هذا الذخر، وإنما جعل ذلك عاماً ومجملاً ليدخل فيه كل أنواع الذخر، ولكنه حدده في الأمور الكبار والمسؤوليات العظام. وتصريح الشاعر بأن ولده ذخره في الأمور الكبار يبين عن قناعته بمدى قدرة ابنه على تلبية هذه الحاجات والمطالب وقت الحاجة له، بحيث يقوم بها على أكمل وجه وأحسنه، وبما يرضي طموح والده عنه.

وكما ذكرنا فإن الشاعر لم يشأ أن يفصل في هذه الأمور الكبار، وإنما أجملها بصورة عامة ليشمل ذلك كل أنواع هذه الأمور في نطاقها التي وصفها به بـ «الكبار»، ولم يكن الشاعر ليصرح بذلك لابنه لولا معرفته بمدى توفر هذه الخاصية فيه بالصورة التي أقنعت والده بقدرته عليها؛ لأنه تربية يديه، وفلذة شخصه وكبده، فهو أعرف به وبتوفر هذه المكنة فيه.

وتنم هذه المخاطبة بهذه الصورة عن مدى قرب الابن من أبيه وتغلغل محبته له في شغاف قلبه، ما يجعله يخاطبه بهذه الصورة الوجدانية وتبرز هذه الحقيقة المرجوة فيه، وهو بذلك يستثير حماسة ونخوته.

وتعبير الشاعر في قوله «وذخري في الأمور لكبار» ذات معنى ومضمون ودلالة عميقة، بحيث جعلت الشاعر يذكرها كحقيقة مقررة وثابتة في وجدان الابن ويقينه؛ لأنه لا يمكنك أن تختار للأمور الكبيرة إلا كبيراً يوازيها وقادراً على تحمّلها وتحقيقها، وذلك ما يراه الشاعر متحققاً في شخص ابنه سمو الشيخ حمدان بن محمد.

وجدان أبوي

وبعد أن أفرغ الشاعر كثيراً من شحنات الثقة والوجدان الأبوي من قلبه وحبه وصاغه لابنه وولي عهده وذخره في مستقبل الأيام أراد أن يلتفت التفاتة نحو إخوته، حيث أشركهم معه في هذا الصدد والمضمون والهدف، فقال: «مع اخوتك» أي أنهم كما يراهم والدهم، يشتركون معاً في هذه الصفات والخصال التي أجملها فيهم أي أنهم ذخره في تلك الأمور، ولم يرد الشاعر أن يفند أخاً عن غيره، لذلك ذكرهم إجمالاً بصيغة الجمع.

وهنا حقق الشاعر أمرين مهمين معاً، فقد خاطب بداية سمو الشيخ حمدان بن محمد بصفة خاصة لكونه ولي العهد وصاحب القصيدة المردود عليها، ولم يشأ أيضاً أن يكون هو مقصوده دون إخوته، لذلك جعل تلك الميزة لإخوانه معه بنفس القدر وذات المضمون. كل تلك المعاني والمضامين استطاع الشاعر أن يضمنها في شطر واحد فقط.

وذلك مما يبين عن قدرة الشاعر ومكنته الأدبية، وذلك ما تميز به الشاعر في كثير من قصائده وبقوله «مع اخوتك» انتهى المعنى السابق، ثم أردف بقوله: «وانتوا لها الدنيا مصابيحها» بمعنى أن الشاعر يقرر بأن سمو الشيخ حمدان بن محمد وإخوته في نظره مصابيح تضيء الدنيا وتسفر مداها، وفي ذلك زخم طاغ من الحب الجارف في قلبه لهم جميعاً بأن يراهم في نظره مصابيح للدنيا.

معنى ذلك أن المصابيح حين تضيء الدنيا وتعني الأقمار والنجوم والشمس تتيح للعباد ولكثير من الخلق تحقيق منافعهم من وراء ذلك من المشي في مناكب الأرض وتحصيل الرزق بسبب هذه الإنارة والضياء، فهذا ما يراه أو يتمناه في أولاده بأن يكونوا مصابيح تنور الدنيا بسببهم ويتيح ذلك مجالاً للإفادة منهم إفادة كبيرة. والمعنى الأول أدلّ على اختياره ومقصوده من الثاني.

الخصال والسجايا

«من بيت عالي مقامه ما يجيه العثار» أي مرتفع القدر والمنزلة، ولا شك في أن يكون هذا البيت كذلك لأنه بيت الحكم والسيادة الذي ارتضاه الناس لولاية أمورهم لكون في أهله من الخصال والسجايا ما يؤهلهم ويوصلهم إلى هذا المقام العالي الذي ذكره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

. والشاعر هنا يؤكد حقيقةً وواقعاً معروفاً عن هذا البيت الذي يمتاز بذلك وقوله «ما يحبه العثار» دعوة مبطنة من الشاعر بأن يحفظ الله هذا البيت من أي عثرات يمكن أن تحدث له في هذه الحياة، أو أن معناه أنه مُصان عن النقائص لأنه بيت عالي المقام من أصل مكتوم ويقصد به الشيخ مكتوم بن بطي مؤسس حكم آل مكتوم في دبي عام 1833م، ونهيان بن عيسى الجد الأعلى الذي ينتسب إليه آل نهيان؛ لأن سمو الشيخ حمدان .

كما هو معلوم ينتمي لآل مكتوم من حيث آبائه ولآل نهيان من حيث خؤولته، فهو قد شرب المجد من جانبيه حيث رجح به الميزان من خلال هذا النسب الذي يشيد به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هنا في قصيدته، إذ كما يعبر الشاعر بأن جدانه آل مكتوم وآل نهيان قد رجحوا بحظهم ونصيبهم وتميزوا فيها، ولم يشر الشاعر إلى رجحانهم في جانب أو جوانب معينة وإنما جعل الرجحان لهم عاماً مفتوحاً في كل الجوانب، وهذا أبلغ مَن أن يحدده بجوانب معينة؛ لأنه في هذه الحالة يجعل الشاعر ذهن القارئ مفتوحاً على جميع الجوانب التي يتصورها في ذلك.

أنــــا حـلـبـت الـلـيـالي حـلـوهـا والــمـرار

وآعـــرف تـصـريـحها وآعـــرف تـلـميحها

وبعد أن رحب الشاعر بابنه ومدح له شعره ومدحه شخصياً مع إخوته ومدح سلالته ونسبه من جانب آبائه وخؤولته آل مكتوم وآل نهيان، التفت الشاعر في شق القصيدة الثاني إلى الفخر والإعلاء من شأنه وبيان مدى معرفته وخبرته بأمور الحياة.

تجربة وخبرة

حيث يذكر أنه الليالي في قوله: «أنا حلبت الليالي»، وفي ذلك يبين جمال تعبيره ودقة معناه وعمق مضمونه، فهو قد استفاد من هذه الليالي من خلال ما خبره فيها على طول تجربة ومعاشرة فهو كمن رضعها ليستخلص منها لبناً صافياً للشرب والارتواء أي أنه أخذ خلاصتها من طول هذه الخبرة التي تيسرت له منها.. وجمع الشاعر الليالي لبيان الكثرة بحيث يكون ناتج ذلك كثرة في تجاربه واستفادته منها..

كما لم يشأ أن تكون خبرته في الليالي في جانب معين وإنما جعلها في جانبي الحلو والمر أي في سرائها وضرائها وذلك بقوله «حلوها والمرار»، وأفرد الشاعر الحلو منها وجمع المر فيها وذلك لبيان كثرة مجابهته للصعاب والشديد من أمور الدنيا لأن في ذلك يكون موضع المعاناة والخبرة والإفادة بعكس ما يحصل له في الأيام الحلوة فإن الخبرة فيها تكون أقل من المر منها.

وتلك حقيقة أجلاها الشاعر وهنا في قصيدته لذلك أفرد الشاعر الحلو وجمع المر، وهذا من بلاغته وعمق فهمه ومعرفته وقوله: «واعرف تصريحها وأعرف تلميحها»، وذلك من طول تجربته وخبرته فيها فإنه يعرف مدى التصريح من التلميح ولا يغيب عنه شيء من ذلك سواء كان واضح الدلالة والمعنى أم خفيّهما وجعل الشاعر المعرفة في كل واحدة مستقلة عن الأخرى، لذلك جاء بقوله أعرف في تصريحها وأعرف في تلويحها بحيث كرر أعرف مرتين لهذا الغرض الذي ذكرته.

ولا غــتـرنـي مـخـبـا ولا مـنـعـني جـــدار

والأرض الـصـعيبه أذلـلها مـتى آطـيحها

وعن عمق معرفته وخبرته بالأيام التي حصل عليها من جراء معايشته الدقيقة لكل تلك التفاصيل في مرّها وحلوها بيّن الشاعر عمق ما حصل عليه من الخبرة منها بحيث غدا لا تغتره أي لا يخفى عليه شيء من أسرارها «مخبا» ولا ما يخفيه الجدار خلفه من هذه الأسرار أي لا يقف دونه أي ستار ليعرف أسراره وخافياته حيث يتمكن من المعرفة التامة في كلا هذين الجانبين.

مضمون عميق

ويذكر الشاعر للقارئ أنه لطول ما لديه من هذه الخبرات يعرف المشي في الأرض الوعرة فإنه بمجرد أن يدخل فيها تذلل له وتغدو سهلة عليه.. وفي هذا فخر كبير بنفسه وخبراته التي تسهل عليه أمور الحياة الصعبة إلى هذه الدرجة وبهذه السرعة اللازمة ووصفه الأرض بالصعبة في قوله «والأرض الصعيبه» لبيان مدى قدرته على هذا الشأن وتذليل صعابه مهما بلغت بحيث تغدو سهلة لديه ميسرة عليه.

والشجره اللي بداها م الخريف إصفرار

هـــي ســنـة والــوقـت والأيــام بـتـزيحها

ويضرب الشاعر مثلاً بأن الشجرة التي بدأ في أوراقها الاصفرار بسبب الخريف الذي مرّ عليها فإن ذلك أمر طبيعي بأن يكون للخريف هذه النتيجة فتلك سُنة الحياة وبمرور الوقت فإن تلك الشجرة تنتهي والأيام كفيلة بإزاحتها بحيث يريد الشاعر أن يقرر بأن ما يمر في الحياة على الإنسان أمور كثيرة منها الحلو ومنها المر والحسن والسيئ والصعبُ والسهل.

وبعد الخريف يأتي الربيع وبعد الصعوبة يأتي اليسر، فلا قلق في ذلك عنده وذلك من عمق تجربته ومدى فهمه لبواطن الأمور التي مرّت عليه فأصبحت تجارب حياته حيث يريد أن يقول لابنه لا تقلق ولا تشغل نفسك فإني خبير بهذه الأمور أعلم كيف أديرها وأصرفها إذ تذلل لي ويتيسر حلها عندي والأيام كفيلة بتجديد شأنها واستمراريتها..

على أنه يمكن أن يكون في معنى قوله: «هي سنة والوقت والأيام بتزيحها» أي بمعنى مضي وقت بسيط وتنتهي بإزاحة الخريف لهذه الشجرة.. لأن السنة معناها أيضاً الوقت أو اللحظة.

فقد يكون المراد السنة أي الوقت، أو السنّة أي طبيعة الأمور وعاداتها، وكل من ذلك وارد في التحليل.

مـتـعود آعـسـف وآذلــل صـعـاب الـمـهار

يـالـين تـهـدا وتـسـكن بـالـغصب ريـحـها

أي أنه من عادته التي درج عليها منذ صغره أن يدرب الخيول الجامحة والصعبة حتى تذل له وتنقاد انقياداً سلسلاً، فتلك من مهام خبرته الطويلة مع الخيل والتي أصبحت له عادة لا يصعب عليه القيام بها حتى تخضع الخيل له، وتذلل وتسكن وتهدأ بالغصب منها، كما يهدأ عصي الريح بعد اشتدادها. وقوله (واذلّل) جاء بها في صيغة التأكيد لبيان مدى قدرته وخبرته الطويل في عسف وتذليل صعاب الخيل حتى تلين له كما قلنا وتنقاد.

عـندي لـكل وقـت نـاسه وإنـتقيت الخيار

هــذا أنــا وخـيـل تـفـكيري فــلا آريـحها

ويختتم الشاعر قصيدته بهذا البيت المعبّر والجميل بأن لكل وقت عنده جماعة وناس، بحيث ينتقيهم ويختارهم لهذا الغرض الذي يراهم صالحين فيه وجاهزين لتأديته.

ومن أدب الشاعر وحسن أخلاقه أن أطلق على هؤلاء الناس صفوة الخيار إذ انتقاهم من الخيار، فلك أن تتخيل مدى العلاقة القوية التي تربطه بهؤلاء الناس الذين اختارهم ليس من بين جموع الناس وإنما اختارهم من خيار هؤلاء الناس.

وللسائل أن يسأل ماذا سيكون مصير أولئك الخيار بعد أن ينتهي وقتهم لديه، أي بعد أداء مهامهم، ولك أن تتخيل مدى ما سيلاقونه من احترام وتقدير من مثل هذه الشخصية المحترمة. ومن يعرف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يعرف ميزات الوفاء لأصحابه وأصدقائه وناسه، فذلك أمر معلوم لدى الكافة.

وهو كما يصرح في شطره الثاني من هذا البيت بأنه لا يهدأ تفكيره. وقال: «وخيل تفكيري» لبيان قوة هذا التفكير وجموحه وعدم هدوئه، مما يشغل نفسه به طول الوقت، إذ كما وصفه بقوله:

«فلا اريحها» أي لا يريح نفسه ولا يهدأ من تفكيره لحظة، لأنه مشغول الفكر بعيد المطمح والرؤى والخيال، وهذا وصف حقيقي لفكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وتطلع نفسه التي لا تهدأ في ساعة من ليل أو نهار، والذي لا شك فيه أنه مرهق نفسه فيما يصنع على أرضه بناء المستقبل وتحقيق الآمال والطموحات الكبيرة وربما المستحيلة، وهو يعلم بأنه يتعب نفسه ويحملها فوق طاقتها.

لكنه راضٍ بذلك مستمتع به. والشاعر في أبياته الخمسة الأخيرة يترك المجال لشعره بأن يصور نفسه فيه ويجسد قدراته ويفخر بخبراته في الحياة ومكنته الذاتية على تذليل الصعاب بسهولة ويسر حتى تذل له الأمور وتنقاد كالخيل بالنسبة له حين يعسفها ويدربها. وفي هذه الأبيات تلخيص واضح لذات وفعل وفكر وميزات شخصية الشاعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بحيث يمكنك من التعرف على هذه الشخصية من خلال هذه الأبيات التي أبانت بوضوح عن ذلك.

قصيدة رائعة مكتنزة المعاني والصور قليلة الأبيات لكنها عميقة المضمون بعيدة الهدف ينبض فيها الوجدان حياً يشعر به القارئ من خلال قراءته جميلة الصياغة والسبك يستمتع الإنسان بقراءتها يبقى أثرها عالقاً بالذهن في تحديد المقصود منها ومعنى أبياتها وتظل القصيدة مفتوحة على أكثر من تفسير.

 

 

طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة البيان الاماراتية ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من البيان الاماراتية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق